مَا مِن خَفِيٍّ إلَّا سَيُظهَرُ - لوقا ٨: ١٦-١٨

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

"مَا مِن أَحَدٍ يُوقِدُ سِرَاجًا وَيَحجُبُهُ بِوِعَاءٍ أَو يَضَعُهُ تَحتَ سَرِيرٍ، بَل يَضَعُهُ عَلَى مَنَارَةٍ لِيَستَضِيءَ بِهِ الدَّاخِلُونَ" (١٦). "فَمَا مِن خَفِيٍّ إلَّا سَيُظهَرُ، وَلَا مِن مَكتُومٍ إلّا سَيُعلَمُ وَيُعلَنُ" (١٧). "فَتَنَبَّهُوا كَيفَ تَسمَعُونَ! لِأَنَّ مَن كَانَ لَهُ شَيءٌ، يُعطَى، وَمَن لَيسَ لَهُ شَيءٌ، يُنتَزعُ مِنهُ حَتَّى الَّذِي يظُنُّه لَهُ" (١٨)

مَا مِن خَفِيٍّ إلَّا سَيُظهَرُ - لوقا ٨: ١٦-١٨

 

١٦. مَا مِن أَحَدٍ يُوقِدُ سِرَاجًا وَيَحجُبُهُ بِوِعَاءٍ أَو يَضَعُهُ تَحتَ سَرِيرٍ، بَل يَضَعُهُ عَلَى مَنَارَةٍ لِيَستَضِيءَ بِهِ الدَّاخِلُونَ. 

١٧. فَمَا مِن خَفِيٍّ إلَّا سَيُظهَرُ، وَلَا مِن مَكتُومٍ إلّا سَيُعلَمُ وَيُعلَنُ. 

١٨. فَتَنَبَّهُوا كَيفَ تَسمَعُونَ! لِأَنَّ مَن كَانَ لَهُ شَيءٌ، يُعطَى، وَمَن لَيسَ لَهُ شَيءٌ، يُنتَزعُ مِنهُ حَتَّى الَّذِي يظُنُّه لَهُ.

       "مَا مِن أَحَدٍ يُوقِدُ سِرَاجًا وَيَحجُبُهُ بِوِعَاءٍ أَو يَضَعُهُ تَحتَ سَرِيرٍ، بَل يَضَعُهُ عَلَى مَنَارَةٍ لِيَستَضِيءَ بِهِ الدَّاخِلُونَ" (١٦). 

       لا يُوقَدُ السراج ليُوضَعَ عليه غطاء، ويُحجَبَ نوره. بل يُوقَدُ حتى يقدر الجميع أن يَرَوْا النور. نحن السراج الذي أوقده الله، حتى يقدر الجميع، بأعمالنا وكلامنا، أن يَرَوْا النور، وأن يَرَوْا الله الذي أرسلنا.

       نحن سراج مُوقَد ليمنح النور لغيرنا، لكل الذين أرسلنا الله إليهم، لكل الذين هم جزء من حياتنا. سلَّمَنا الله مسؤولية: العطية التي أعطانا إياها هي لنا ولكل إخوتنا الذين نلاقيهم في حياتنا. نحن مسؤولون عن خلاصهم، عن مقدرتهم لرؤية الله، عن مقدرتهم لأن يُحِبُّوا. نحن لا نوجد من أجل أنفسنا، بل لأنفسنا ولغيرنا. نحن مسؤولون عن حياتنا وحياة إخوة وأخوات كثيرين. قال لنا يسوع: أنتم ملح، وأنتم نور للعالم، وليس لأنفسكم فقط.

       "فَمَا مِن خَفِيٍّ إلَّا سَيُظهَرُ، وَلَا مِن مَكتُومٍ إلّا سَيُعلَمُ وَيُعلَنُ" (١٧). 

       قَبِلْنا النور، لنبقى نورًا، لا لنختبئ، بأعمالٍ لا تستحِقُّ أن تظهر في النور. كل الخليقة، وكل البشر، كلنا مدعُوُّون إلى النور. "مَا مِن خَفِيٍّ إلَّا سَيُظهَرُ". لا شيء يبقى خفيًّا. لا نقدر أن نُخبِئَ أنفسنا. نحن دائمًا أمام نظر الله. ولا يمكن أن نهرب من رسالتنا. لو أردنا أن نختبئ، أين نذهب؟ يقول المزمور: في أعماق البحار أنت هناك، وفي أعالي الجبال أنت هناك. ربي، أنت في كل مكان. وأمام وجهك، وأمام حبك، لا أستطيع أن أهرب، ولا أستطيع أن أقول: لا. بل أقول: نعم، وأبقى في النور، وأصير نورًا لإخوتي. لا شيء يُخفَى. أعيش في النور، هذه هي الطريقة التي أعيش بها، عندما يقول يسوع لي: أنتم نور العالم. أن أبقى في النور، ولا أفكِّر أبدًا أني أقدر أن أُخفِيَ نفسي وأهرب من النور. الطريق المستقيم هو: أومن، وأُحِبّ، وأكون نورًا حيثما كنت.

       "فَتَنَبَّهُوا كَيفَ تَسمَعُونَ! لِأَنَّ مَن كَانَ لَهُ شَيءٌ، يُعطَى، وَمَن لَيسَ لَهُ شَيءٌ، يُنتَزعُ مِنهُ حَتَّى الَّذِي يظُنُّه لَهُ" (١٨). اسمَعْ ما يقول الله. لا تكن مثل الذين يسمعون ولا يسمعون ومثل الذين ينظرون ولا يرون. الله يكلِّمُك، فاستمِعْ له وافهَمْ ما يقول. يقول لك: أنت نور، وملح. ويبيِّن لك كيف تكون نورًا وملحًا. استمِعْ بانتباه واقبل ما يُعطِيك. وضع ثقتك فيه.

       الله يعطي. اعرِفْ كيف تأخذ. يسوع يقول: "لِأَنَّ مَن كَانَ لَهُ شَيءٌ، يُعطَى، وَمَن لَيسَ لَهُ شَيءٌ، يُنتَزعُ مِنهُ حَتَّى الَّذِي يظُنُّه لَهُ". الذي له، الذي يعرف أن يأخذ ويستثمر ما أخذ، الله يعطيه ويزيد له. الذي يبقى سائرًا في النور، الله يُجزِل عليه عطاياه، ويزداد دائمًا قدرة ليعطي إخوته. أما الذي لا يعرف أن يأخذ، أو يأخذ ويبدِّد، الذي يبتعد عن النور ويصير ظلامًا، هذا يحرم نفسه بنفسه من كل عطية. أُعطِيَ له وخسر ما له. لم يعرف أو لم يُرِدْ أن يستثمر ما كان له، فهو نفسه حرم نفسه من كل عطية، ووضع نفسه في اللاشيء، في العدم.

       ربي يسوع المسيح، أعطني أن أبقى في النور، أن أعرف أني مسؤول عن نفسي وعن إخوتي. وارحمني وارحم كل الذي يعرفون أن يستثمروا عطاياك، وارحم أيضًا الذين لا يعرفون. آمين.

       الاثنين ٢٥/٩/٢٠٢٣            الأحد ٢٥ من السنة/أ