يوحنا المعمدان يدُلنُّا على يسوع - يوحنا ١: ٢٩-٣٤

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

٢٩ وفي الغَد رأَى يسوعَ آتِياً نَحوَه فقال: ٣٠ هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم. هذا الَّذي قُلتُ فيه: يأتي بَعْدي رَجُلٌ قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي. ٣١ وأَنا لم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنِّي ما جِئْتُ أُعَمِّدُ في الماء إِلاَّ لِكَي يَظهَرَ أَمْرُه لإِسْرائيل. ٣٢ وشَهِدَ يوحَنَّا قال: رَأَيتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ كأَنَّه حَمامَة فيَستَقِرُّ علَيه. ٣٣ وأَنا لَم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنَّ الَّذي أَرسَلَني أُعَمِّدُ في الماءِ هو قالَ لي: إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ، هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحِ القُدُس. ٣٤ وَأَنا رأَيتُ وشَهِدتُ أَنَّه هو ابنُ الله".

يوحنا المعمدان يدُلنُّا على يسوع - يوحنا ١: ٢٩-٣٤

الحرب. اليوم ٨٨

        "إِن لم يَبْنِ الرَّبُّ البَيتَ فباطِلاً يَتعَبُ البَنَّاؤون. إِن لم يَحرُسِ الرَّبُّ المَدينة فباطِلًا يَسهَرُ الحارِسون (١٢٧: ١). طوبى لِجَميعِ الَّذينَ يَتَّقونَ الرَّبّ وفي سُبُلِه يَسيرون" (١٢٨: ١). لماذا يأتي أهل الحرب إلى هذه الأرض؟ هذه الأرض لله. لماذا يقاتلون؟ لماذا يقيمون فيها الحرب والموت؟ هذه الأرض لله. الله يبنيها، وهو يقيم فيها السلام، ومعه فقط يسكن الإنسان.

        ومع ذلك، ربي، ربَّ الموت والحياة، ما زال في غزة دماء وبكاء. مضى ثلاثة أشهر تقريبا. أوشكنا أن نتعود، أوشك أن يصير الواقع الظالم والدامي خبرًا من الأخبار اليومية. كلا، الجرح في غزة ما زال حيًّا. جرح في كل امرأة ورجل، وفي كل صغير يبكي من الجوع والعطش. الموت موت، والدموع دموع، وعذابات الكبار والصغار تبقى عذابات حادة. في غزة وفي كل الأرض المقدسة، أنت السيد، يا رب، مهما قال أو ادَّعى أو أباد أسياد هذا العالم. قل لهم أن يوقفوا حربهم. يا رب، أعِدْ الحياة إلى غزة. أرسل إليها ملائكة السلام ليطهِّروها من شر الناس. ارحم غزة يا رب، وارحمنا جميعًا.

    

          إنجيل اليوم

        يوحنا المعمدان يرافقنا في هذا الزمن بعد عيد الميلاد، ويدُلنُّا على يسوع.

        "وفي الغَد رأَى يسوعَ آتِياً نَحوَه فقال: هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم. هذا الَّذي قُلتُ فيه: يأتي بَعْدي رَجُلٌ قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي" (٢٩-٣٠).     

        هذا هو حمل الله. حمَلٌ للذبح، ليقتله الناس، وبدمه يمحو خطايا الناس.

        الخطيئة الأولى، خطيئة الإنسان الذي خلقه الله على صورته ومثاله، لكنه ظن أن يكون أكثر من ذلك. قال المجرب، الحية، لآدم وحواء: ستكونان مثل الله. مع أنهما كانا مثل الله، كانا على صورة الله. لكن التجربة تقول: لماذا تبقيان تحت سيادة أحد، صيروا أسيادًا لأنفسكم، صيروا آلهة من غير الله.

        التجربة نفسها تلاحقنا اليوم: مستقلين، من غير الله، آلهة لأنفسنا و"لنظلم" إخوتنا، فنبدِّل الحب الذي وضعه الله فينا بعكسه، بالموت. على جميع المستويات، مستقلِّين في كياننا، ونفرض أنفسننا أسيادًا على غيرنا، في علاقاتنا اليومية العادية، وفي علاقة الموت التي تولِّدُ الحروب.

        التجربة نفسها تلاحقنا: أن نكون آلهة من دون الله. يجب أن نقاوم سيادة الموت في أنفسنا، فننظر إلى العلى، إلى الله، فنسمع صوت الله، ونحيا ونجد كياننا الصحيح، القادر على الحب والحياة.

        يوحنا المعمدان يدلنا دائما على يسوع المسيح. ونحن دائمًا بحاجة لأن نرى يسوع.

        "يأتي بَعْدي رَجُلٌ قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي". جاء يسوع يلتقي يوحنا المعمدان في برية الأردن، وكان مظهره مظهر إنسان، أتى بعد يوحنا. لا أحد يرى فيه غير ذلك. لكن يوحنا أظهره وقال فيه: "إنه قبله، إنه يتقدَّمُه، لأنه "كانَ قبلي". يسوع كان، لما يوحنا لم يكن. هو الكائن. هو كلمة الله، هو الله. ولن يقدر الإنسان أبدًا أن يحل محل الله. مكان الإنسان أن يكون على صورة الله. صالحًا، قادرًا على المحبة. من غير الله، الإنسان يحكم على نفسه بأن لا يكون. يحكم على نفسه بأن يصير إنسانًا ميتًا يحمل الحرب إلى إخوته.

        إلى هذه الحياة نحن مدعُوُّون. الله نفسه رفعَنا إلى هذا الحد. ولسنا بحاجة إلى المجرب ليقول لنا: ستكونون أكبر من ذلك، يمكن أن تصعدوا إلى أعلى. عندما ندَّعي الصعود من دون الله، نفقد رؤية الله، فندخل في اللا إنسان، في قسوة اللا إنسان ووحشيته.

        ربي يسوع المسيح، املأني بروحك القدوس، ليهديني، ويطهِّرَني، ويحفظني على صورتك، مُحِبًّا لك ولكل إخوتي. آمين.

الأربعاء ٣/١/ ٢٠٢٣