وأَخذَ يُنادي في المُدُنِ العَشْرِ بِكُلِّ ما صَنَعَ يسوعُ إِلَيه - مرقس ٥: ١-٢٠
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا
١ووَصلوا إِلى الشَّاطِئِ الآخَرِ مِنَ البَحرِ إِلى ناحِيَةِ الجَراسِيِّين. ٢ وما إِن نَزَل مِنَ السَّفينَةِ حَتَّى تلقَّاه رَجُلٌ فيه روحٌ نَجِسٌ قد خَرَجَ مِنَ القُبور. ٣ وكانَ يُقيمُ في القُبور، ولا يَقدِرُ أَحدٌ أَن يَضبِطَه حتَّى بِسِلسِلة. ٤ فكَثيرًا ما رُبِطَ بِالقُيودِ والسَّلاسِل فقَطَّعَ السَّلاسِلَ وكَسَّرَ القُيود. ولَم يَكُنْ أَحَدٌ يَقوى على قَمعِه. ٥ وكانَ طَوالَ اللَّيلِ والنَّهارِ في القُبورِ والجِبال، يَصيحُ ويُرَضِّضُ جسمَه بالحِجارة. ٦ فلمَّا رأَى يسوعَ عن بُعْدٍ أَسْرَعَ إِليه وسَجَدَ له ٧ وصاحَ بِأَعلى صَوتِه: ما لي ولَكَ، يا يَسوعَ ابنَ اللهِ العَلِيّ أَستَحْلِفُكَ بِالله لا تُعَذِّبْني. ٨ لأَنَّ يسوعَ قالَ له: أَيُّها الرُّوحُ النَّجِس، اُخرُجْ مِنَ الرَّجُل. ٩ فسأَلَه:

ما اسْمُكَ؟ فقالَ له: اِسمي جَيش، لأَنَّنا كَثيرون. ١٠ ثُمَّ سأَلَه مُلِحّاً أَلَّا يُرسِلَهم إِلى خارِجِ النَّاحِية. ١١ وكانَ يَرْعى هُناكَ في سَفْحِ الجَبَلِ قَطيعٌ كَبيرٌ مِنَ الخَنازير. ١٢ فَتَوَسَّلَت إِلَيهِ الأرواحُ النَّجِسَة قالَت: أَرسِلْنا إِلى الخَنازير فنَدخُلَ فيها، ١٣ فأَذِنَ لها. فخَرَجَتِ الأَرواحُ النَّجِسَة ودَخَلت في الخَنازير، فوَثَبَ القَطيعُ مِنَ الجُرُفِ إِلى البَحْر، وعَدَدُه نَحوُ أَلْفَين، فغَرِقَتِ الخَنازيرُ في البَحْر. ١٤ فهَرَبَ الرُّعاةُ ونَقَلوا الخَبَرَ إِلى المَدينةِ والمزارِع، فجاءَ النَّاسُ لِيَرَوا ما جرى. ١٥ فَلَمَّا وَصَلوا إِلى يسوع، شاهَدوا الرَّجُلَ الَّذي كانَ مَمسوسًا جالِسًا لابِسًا صَحيحَ العَقْل، ذاكَ الَّذي كانَ فيه جَيشٌ مِنَ الشَّياطين، فَخافوا. ١٦ فَأَخبَرَهمُ الشُّهودُ بِما جَرى لِلمَمْسوس وبِخَبَرِ الخَنازير. ١٧ فَأخَذوا يَسأَلونَ يسوعَ أَن يَنصَرِف عن بَلَدِهم. ١٨ وبَينَما هُوَ يَركَبُ السَّفينَة، سَأَلَه الَّذي كانَ مَمْسوساً أَن يَصحَبَه. ١٩ فلَم يَأذَنْ له، بل قالَ له: اِذْهَبْ إِلى بَيتِكَ إِلى ذَويكَ، وأَخبِرْهم بِكُلِّ ما صَنَعَ الرَّبُّ إِلَيكَ وبِرَحْمَتِه لَكَ. ٢٠ فمَضى وأَخذَ يُنادي في المُدُنِ العَشْرِ بِكُلِّ ما صَنَعَ يسوعُ إِلَيه، وكانَ جَميعُ النَّاسِ يَتَعَجَّبون.
الحرب. اليوم ١١٤
"حينَ سَكَتّ بَلِيَت عِظامي وأَنا أَزأَرُ طَوالَ نَهاري، لِأَنَّ يَدَكَ ثَقُلَتْ علَيَّ نَهارًا وليلًا، تَحوَّلَ قَلْبي إِلى هَشيمٍ في قَيظِ الصَّيف. أنتَ سِترٌ لي، من الضًيقِ تَقيني، وبِتَرانيمِ النّجاةِ تحيطني... إِنِّي أعَلِّمُكَ وأُرشِدُكَ في الطَّريقِ الَّذي تَسلُكُه" (مزمور ٣٢: ٣-٤و٧-٨).
يا رب، ارحم. أهوال الحرب كثيرة، ولا يبدو أنها ستتوقف. الناس أصابهم الإعياء. والموت طافح. متعبون، منهكون، يصرخون إليك: يا رب، ارحم. مسحوقين، البيوت مهدمة، قصفها أهل الحرب، مرة ومرتين وثلاث... حكم عليهم الناس بالموت. يريدون إبادتهم. يا رب، أنت إلهنا، وليس زعماء الحرب. وحياتنا بين يديك وليست بين يديهم. اللهم، فيك رجاؤنا. "أنتَ سِتر لي، من الضًيقِ تَقيني، وبِتَرانيمِ النّجاةِ تحيطني". أنت حمانا، أنت خالقنا وأبونا. يا رب، نجنا، وارحمنا وأوقف هذه الحرب.
إنجيل اليوم
مرة أخرى، روح نجس، ورجل حل فيه الروح النجس، فاقد عقله.
"وما إِن نَزَل مِنَ السَّفينَةِ حَتَّى تلقَّاه رَجُلٌ فيه روحٌ نَجِسٌ قد خَرَجَ مِنَ القُبور. وكانَ يُقيمُ في القُبور، ولا يَقدِرُ أَحدٌ أَن يَضبِطَه حتَّى بِسِلسِلة. فكَثيرًا ما رُبِطَ بِالقُيودِ والسَّلاسِل فقَطَّعَ السَّلاسِلَ وكَسَّرَ القُيود. ولَم يَكُنْ أَحَدٌ يَقوى على قَمعِه. وكانَ طَوالَ اللَّيلِ والنَّهارِ في القُبورِ والجِبال، يَصيحُ ويُرَضِّضُ جسمَه بالحِجارة" (٢-٥).
إنسان تملَّكَه الروح النجس، فقد رشده. لا يعيش مع الناس. يؤذي الناس، ويعيش بين القبور.
يعيش بين القبور ويؤذي الناس، ومجتمع الناس. قد يحدث هذ مع كثيرين، حتى الذين يظنون أنهم بكامل عقلهم. صانعو الحروب، مهما قالوا ليبرروا حربهم، وأينما كانوا، هنا أو في دول العالم، إنهم من "اهل القبور"، إذ لا يرون إلا الموت للآخرين.
لكن، لننتبه، هذا الكلام يمكن أن ينطبق على صانعي الحروب الذين لا يرون أي شر في إبادة قطاع غزة بأكمله. ويمكن أن يحدث مع كل واحد يريد الشر لمن هم حوله، أي شر كبير أو صغير، لأنفسنا أو لغيرنا. لي، لك، يمكن أن يحدث أن نعيش "بين القبور"، حين أسيء إلى غيري بطريقة أو بأخرى. منطق القبور هو الموت، وكل ما هو على طريق الموت: كل إساءة لأخ، كل مخاصمة، كل اتهام، كل جرح أو دمار لأحد إخوتي أو أخواتي.
لا بد من جهد حتى لا أعيش بين القبور، وأنا غير واع، طبعًا. وهذا هو الخطر، ألا أكون واعيًا أين أنا، في الحياة أم في الموت؟ مع الله، أم وحدي تائه، ومسيء إلى إخوتي؟
"فلمَّا رأَى يسوعَ عن بُعْدٍ أَسْرَعَ إِليه وسَجَدَ له، وصاحَ بِأَعلى صَوتِه: ما لي ولَكَ، يا يَسوعَ ابنَ اللهِ العَلِيّ أَستَحْلِفُكَ بِالله لا تُعَذِّبْني. لأَنَّ يسوعَ قالَ له: أَيُّها الرُّوحُ النَّجِس، اُخرُجْ مِنَ الرَّجُل" (٦-٨).
الروح النجس، رجل بين القبور، يعترف بحضور يسوع ويسرع إليه. ولكنه يرفض اقتراب يسوع منه.
نحن شخصيًّا، في شرنا الكامن فينا، الكبير أو الصغير، لا نسرع إلى يسوع. نحن نخفي أنفسنا في النسيان، وأحيانًا في رفض صريح، مقصود. وهذا شر أكبر. نعيش أحيانا "بين القبور" ونحن غير واعين. يمكن أن نسيء ونحن لا ندري، لا واعين أو لا مبالين.
وأهل المدينة يبتهلون إلى يسوع أن يبتعد عنهم. مع أنهم هم من الصغار البسطاء. رفضهم صادر عن جهلهم. رأوا قطعانهم تهلك، فلم يفهموا الخير الذي كان يحمله يسوع.
ونحن؟ كم مرة، بكم من الطرق، واعين أو لا واعين، نقول ليسوع أن يبتعد عنا؟
فحص ضمير. كم نحن جديون في تعاملنا مع يسوع؟ وكم نتصرف كما لو لم يكن حاضرًا معنا؟ يسوع من جهته، حاضر دائمًا، ونعرف الخير الذي هو والذي يحمله لنا. لنبتهل إليه أن يبقى معنا وأن ينيرنا.
ربي يسوع المسيح، أنت دائمًا بيننا. أعطني أن أرى، أن أبقى معك، في نورك، وأن أقوم بمعركتي اليومية، فلا أكون وحدي فيها أبدًا، بل دائمًا تؤيدني أنت بقوتك. امكث معنا يا رب، وأعطنا أن نمكث معك. آمين.
الاثنين ٢٩/١/ ٢٠٢٤ بعد الأحد الرابع من السنة/ب