أن أكون مسيحيًّا هو أن أعيش مع يسوع المسيح - متى ١٦: ٢٤-٢٨

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

"ثُمّ قَالَ يَسُوع لِتَلَامِيذِهِ: مَن أَرَادَ أَن يَتبَعَنِي، فَلْيَزهَدْ فِي نَفسِهِ وَيَحمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي" (٢٤). في إنجيل اليوم إرشادات متنوعة تنير خطواتنا. الأول: " مَن أَرَادَ أَن يَتبَعَنِي، فَلْيَزهَدْ فِي نَفسِهِ وَيَحمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي".

أن أكون مسيحيًّا هو أن أعيش مع يسوع المسيح - متى ١٦: ٢٤-٢٨

 

٢٤. ثم قال يسوع لتلاميذه: من أراد أن يتبعني، فَلْيَزهَدْ في نفسه ويَحمِلْ صليبه ويَتْبَعْنِي، 

٢٥.. لأن الذي يريد أن يخلِّصَ حياته يفقدها، وأما الذي يفقد حياته في سبيلي فإنه يجدها. 

٢٦. ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ وماذا يعطي الإنسان بدلًا لنفسِه؟ 

٢٧.فسوف يأتي ابن الإنسان في مجد أبيه ومعه ملائكته، فيجازي يومئِذٍ كلَّ امرِئٍ على قدر أعماله. 

٢٨. الحق أقول لكم: من الحاضرين ههنا من لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا ابن الإنسان آتيًا في ملكوته.

 

"ثُمّ قَالَ يَسُوع لِتَلَامِيذِهِ: مَن أَرَادَ أَن يَتبَعَنِي، فَلْيَزهَدْ فِي نَفسِهِ وَيَحمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي" (٢٤). 

في إنجيل اليوم إرشادات متنوعة تنير خطواتنا. الأول: " مَن أَرَادَ أَن يَتبَعَنِي، فَلْيَزهَدْ فِي نَفسِهِ وَيَحمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي". من أراد أن يؤمن بيسوع المسيح، من أراد أن يكون مسيحيًّا، وبأولى حجة، من أراد أن يكرِّسَ نفسه ليسوع المسيح، في الكهنوت أو في الحياة الرهبانية، فَلْيَزهَدْ فِي نَفسِهِ. ما كان، ما كنته أنا، لا يوجد بعد. الموجود الآن، الذي يحيا في َّالآن ليس أنا، بل المسيح هو الذي يحيا فيَّ، كما قال القديس بولس. لنسأل أنفسنا: ما الذي يحيا فينا؟ الأنا، رغباتي، مخططاتي، أفكاري، عواطفي، كلامي، أم المسيح هو الذي يحيا فيَّ؟ قال القديس بولس أيضًا: "ليكن فيكم ما في المسيح يسوع من عواطف".

"لْيَزهَدْ فِي نَفسِهِ". الزهد ليس كلمة، بل هو معركة، معركة الحياة. إما انا وإما المسيح. إما أنا وإما إخوتي، ولا سيما الفقراء، والمعذبين، والمظلومين. إن كنت مسيحيًّا، إن أردت أن أتبع المسيح، أزهد في نفسي، وأترك مكانًا للمسيح، ولإخوتي. هذا سؤال يجب أن أطرحه دائمًا على نفسي: هل أنا زاهد فعلًا في نفسي؟

"لْيَزهَدْ فِي نَفسِهِ"، " وَيَحمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي". ليحمِلْ كل صلبان الحياة، كل آلام الجسد، والنفس، كل ما فيَّ من نفور أو رفض لبعض إخوتي، بإرادتي أو بغير إرادتي، كل سوء الفهم الذي ألاقيه، كل أنواع الصلبان... أحمل الصليب مثل يسوع، لهدف واضح: لأطهِّر نفسي، لأعوِّض عن خطاياي، لأعوِّض عن إخوتي، أتـألم لكي تصير آلام إخوتي فداء لهم وللعالم. نحمل صليبنا مع يسوع، ومثله. وأنا ماذا أصنع بكل صلباني؟ كيف أستقبلها؟ بضعف في الجسد أو في النفس، وفي تصرفاتي أمام الله أبي، ومع إخوتي؟ كيف أحمل صليبي؟

أن أتبع يسوع، أن أكون مسيحيا، يعني أن أقتدي بيسوع المسيح، أن أكون كاملًا مثله، أن أحِبّ مثله، حتى أبذل حياتي في سبيله. أن أكون مسيحيًّا هو أن أعيش مع يسوع المسيح، وأن أعيش مع إخوتي حياتي هذه مع المسيح.

 

الإرشاد الثاني: "لِأنَّ الَّذِي يُرِيدُ أَن يُخَلِّصَ حَيَاتَهُ يَفقِدُهَا، وَأَمَّا الَّذِي يَفقِدُ حَيَاتَهُ فِي سَبِيلِي فَإنَّهُ يَجِدُهَا" (٢٥). "الَّذِي يُرِيدُ أَن يُخَلِّصَ حَيَاتَهُ يَفقِدُهَا". هذا منطق الزهد في النفس. الزهد في كل شيء، حتى الحياة. لا شيء لي. وأنا لست لنفسي. أنا للمسيح، والمسيح يهبني ذاته. وبقدر ما أعطي، أنا أُخَزِّن، لا في أهراء الأرض، المعرَّضة لكل نوع من الخسارة، للسرقة أو للسوس وللعفن...  بل أُخَزِّنٌ في قلب الله... أنا أعطي الله خيرات من الأرض، وهو يعطيني الحياة الوافرة، حياة النفس، فرح الحياة، وحقيقية الحياة. قال يسوع لبطرس الذي سأله: ونحن الذين تركنا كل شيء وتبعناك، ماذا يكون لنا؟ قال له يسوع: سيكون لكم مئة ضعف بدل ما تركتموه. قال القديس يوحنا في رسالته الأولى: قلب الله أكبر من قلبنا. ألله أكرم منا. نعطيه أشياء، وهو يعطينا الحياة. نعطيه كياننا، وهو يعطينا نفسه. نعطيه حياتنا على الأرض، وهو يعطينا الحياة الأبدية.

أن نرضى بأن نفقد الأرض، لنلاقي ونرى خالق الأرض. مع يسوع، أن نفقد، يعني أن نضمن لأنفسنا الحياة الحقيقية. المؤمن لا يخسر في تعامله مع الله، حتى إذا ضعف، واسترجع ما أعطاه. الله أبٌ، يغفر، ويعطي من جديد قوة لكي يزيل المؤمن عن نفسه كل الأثقال، ويسير مع الله بحرية.

ربي يسوع المسيح، علِّمْني أن أتبعك. وأعطني القوة لأن أزهد في نفسي، وأحمل صليبي معك. آمين.

الجمعة ١١/٨/٢٠٢٣             الأسبوع ١٨ من السنة/أ