د. مها كركبي – صباح: لا يمكن فصل الجريمة المنظمة عن سياقها السياسي والاجتماعي والاقتصادي
القيامة – نشر موقع رصيف 22 (موقع فلسطيني لبناني) تقريرا موسعا، حول السياق السياسي والاجتماعي لتغلغل الجريمة المنظمة في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل. وقام الصحفي أمجد أبو كوش بمحاورة المحاضرة والباحثة الشفاعمرية د. مها كركبي - صباح، وهي محاضرة كبيرة في قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، ومديرة مركز دراسات العائلة في جامعة "بن غوريون" في بئر السبع.

تطرقت د. مها كركبي – صباح الى الموضوع قائلة: "لا يمكن فصل الجريمة المنظمة عن سياقها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، كونها تطورت في ظل مجتمع يعيش على الهامش بالرغم من مظاهر التطور الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني، وخاصة بكل ما يتعلق بمستوى التعليم العالي والتحسين من مستوى الحياة، نعم، هناك تطورات اقتصادية وثقافية معينة، ولكن بنهاية الأمر، المستوى الاقتصادي للمجتمع الفلسطيني بقي يعيش على هامش الاقتصاد الإسرائيلي، أي أنه قد تطور من داخله، ولأسباب تتعلق بارتفاع سنوات التعليم وبكون المجتمع الفلسطيني يمتاز بخصوصية كثرة العائلات ونسبة الولادة المرتفعة فيه، أضف إلى ذلك تأثره بالتغيرات الاقتصادية والعولمة والاستهلاك، هذا بالمجمل ساهم بتطور الاقتصاد المبني على التجارة والاستهلاك اليومي، ولكن الاقتصاد الإسرائيلي تطور بطريقة مختلفة كونه اقتصاد "حضاري عصري تكنولوجي متحضر" وفي داخله تطور للصناعات وتطور علمي من أعلى المستويات بخلاف الاقتصاد الفلسطيني الذي لم يكن له نصيب من هذا التطور، وتم اقصائه من هذه العملية".
وأضافت د. كركبي -صباح: "هنا نستذكر أن المجتمع الذي ينال نصيبه من العولمة والتكنولوجيا يستطيع أن ينكشف على ما يدور حول العالم، ولكن بالنهاية التطور الاقتصادي لم يكن من نصيب كثير من الناس، إنما بقي في إطار محدود، يستثنى منها مناطق كالجنوب، بسبب أن هناك نسبة التعليم منخفضة ومتدنية، وهذا ما انعكس على تقلص فرص العمل، لتصبح الجريمة المنظمة نتيجة وعنواناً لها لسد بعض الفجوات والحاجات الفردية".
تنامي العصابات الإجرامية في البلدات العربية غير مرتبط بالإهمال أو التقصير أو عدم القدرة على الضبط من قبل الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الشرطية، بقدر ما يشكل بالنسبة لهم ضرورة اجتماعية واقتصادية وأمنية وتضيف د. كركبي، فيما يتعلّق بالسياق السياسي: "هذا الأمر لا يمكن فصله عن النواحي السياسية، كون المجتمع الفلسطيني مجتمعاً قبلياً، يحمل في داخله صراعات الحمائلية التي لم تختف مع التطور الاجتماعي النسبي وارتفاع سنوات التعليم، حتى أنه تحول ليتم استخدامه من قبل أفراد ذوي مستوى تعليمي عال وهذا ما نشهده في انتخابات السلطات المحلية، وبقيت هذه الصراعات متغلغلة، وبالطبع للدولة يد في تغذية الأمر كون استمرارية الانتماءات والشروخات القبلية والعائلية لا تكون إلا على حساب تطور الهوية الوطنية، وهذا ما يكون لصالح السلطة والجنوب نموذج على ذلك، واتخذت هذه الصراعات منحى آخر متطوراً حين استخدمت السلاح والجريمة المنظمة لتصفية الحسابات ومواجهة الخلافات، بالإضافة إلى أن انتشار السلاح ليس عملية تمت بين ليلة وضحاها، بل عبر عقود بشكل تراكمي، حتى وصلت الدولة إلى أنها لا تمتلك القوة والتنظيم الكافيين لمواجهة عمق انتشارها، بفعل سياستي غض النظر من جهة، والمواجهة الهامشية التي لا تتعلق بجذور الأزمة".
وتكمل د. كركبي- صباح: "يمكننا القول إن الوضع الحالي للجريمة المنظمة من أسوأ الحالات التي عايشها المجتمع الفلسطيني منذ عام 48 حتى اليوم، كونه خلق انشغالاً كاملاً بالأمن اليومي للمواطنين، بالإضافة الى الساسة الفلسطينيين العرب في إسرائيل، الذين انشغلوا بالبحث عنه، وأتى هذا الانشغال على حساب تمتين الهوية الوطنية، وكمثال، القائمة الموحدة، التي انتهجت سياسة التفاوض مع الدولة على أساس توفير الأمن والأمان مقابل فصل المطالب الانية عن جوهر مكانة الاقلية الفلسطينية في دولة يهودية. وانعكست الأزمة لتطول البيئة السياسية التي تبلورت على أسس كارثية يستحيل فيها العمل على تكوين خط سياسي وطني جامع، وهذا ما سينعكس على الانتخابات القادمة والشخصيات التي من الممكن أن تقرر الدخول في العمل السياسي خاصة المحلي، بالإضافة لانعكاسها على النساء التي لا يوجد لهن تقريباً أي تمثيل، وأن تغلغل الجريمة المنظمة بهذا الحيز لن يوفر لهن بيئة أمنة".