الأسبوع ٣٢ من السنة/ج - عيد جميع قديسي الأبرشية - متى ٥: ١-١٢
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا
فلما رأى الجموع، صعد الجبل وجلس، فدنا إليه تلاميذه فشرع يعلمهم قال: طوبى لفقراء الروح فإن لهم ملكوت السموات. طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض. طوبى للمحزونين، فإنهم يعزون. طوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون. طوبى للرحماء، فإنهم يرحمون. طوبى لأطهار القلوب فإنهم يشاهدون الله. طوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يدعون.

طوبى للمضطهدين على البر فإن لهم ملكوت السموات. طوبى لكم، إذا شتموكم واضطهدوكم وافتروا عليكم كل كذب من أجلي، افرحوا وابتهجوا: إن أجركم في السموات عظيم، فهكذا اضطهدوا الأنبياء من قبلكم.
اليوم عيد جميع قدِّيسي كنيسة القدس. والإنجيل هو إنجيل التطويبات في متى (٥). القديسون هم الذين تتلمذوا ليسوع المسيح، وسمعوا تعاليمه وسَعَوْا لأن يعيشوا بحسبها. فقراء لله، يعلمون أنهم بحاجة إلى الله، يعلمون أن فقر المادة يعتني به الأب الذي في السموات، فمنه نطلب خبزنا اليومي، فيما نسعى من جهتنا لتحصيله. نطلب خبزنا اليومي ونطلب في الوقت نفسه مغفرة خطايانا، لأن الله أبونا يطلب منا أن نغفر لجميع إخوتنا، أبنائه. خبزنا اليومي ومسيرتنا إلى أبينا السماوي، سِعْيٌ واحد.
نحن أيضًا تتلمذنا ليسوع، وفي أرضه نفسها، حيث أسَّس الكنيسة، وثبَّتها يوم العنصرة. هنا تألم ومات وقام، هنا في شوارعنا سار، وعاش حيث نعيش اليوم. وجودنا في هذه الأرض نداء دائم إلى معرفة سر الله فيها، وإلى رؤية الله، لنقتدي بالله، ونحب مثل الله.
القديسون، الرهبان والنساك، ملأوا القفار وقدسوا المدن والقرى بقداستهم. كما تتلمذوا وساروا في طريق القداسة، لا يمنعنا شيء من أن نسير نحن أيضًا في الطريق نفسها. حيث عاش كلمة الله نعيش نحن اليوم. حيث خلَّص البشرية، نستقي الخلاص لأنفسنا ونضرع من أجل خلاص البشرية.
طوبى للفقراء، الذين يعرفون ما هم، أن لا شيء منهم، ولا شيء لهم، كل شيء من الله خالقهم، وهو يملؤهم بقداسته وحبه، إن كانوا فقط واعين وعالمين بما هم، أنهم فقراء إليه تعالى. نحن في هذه الأرض
مدعُوُّون إلى أن نعرف أن كلمة الله كان هنا، وما زال سِرُّه هنا، لنتأمَّلَ فيه.
أنا هو الرب إلهك. هنا في القدس وفي كل الأماكن المقدسة، كل قديسي كنيسة القدس، يكررون علينا هذه الوصية الأولى، لنذكرها ونعمل بها، وتعرف من هو سيدنا وإلهنا، وما هو هدفنا في الحياة، ولنعرف كيف يَقوَى الروح فينا، وكيف ننظِّم في الوقت نفسه كل مساعي الأرض، وعلاقات الناس بعضها ببعض، ومساعينا للخروج من الحرب والكراهية، ومن مسيرتنا الطويلة إلى السلام. وهو الله سبحانه إله السلام. لهذا قال لنا يسوع إن صانعي السلام يُدعَوْن أبناء الله.
عيد قديسي كنيسة القدس. لقد منحني الله أن أكون منها، لأسير مع من ساروا في الماضي وأفاض الله عليهم قداسته. دعوتي، ودعوة كل المؤمنين في كنيسة القدس، بكل كنائسها، هي هذه المسيرة في درب القداسة نفسها، وليس فقط التباهي بهم، وليس فقط لطلب شفاعتهم، حتى لا نصير مثل آنية عتيقة لا تقدر أن تسع خمرة القداسة الجديدة. مؤمنون في كنيسة القدس، سائرون في طرق قداستها، شركاء القديسين الذين سكنوها ورأوا الله وعرفوا أن يحبوا.
ربي يسوع المسيح، أنعمْتَ عليَّ بأن أولد وأعيش في كنيسة القدس، حيث أنت عشت، وعلَّمت، وبآلامك وموتك وقيامتك، قدَّسْتَ العالم، أعطني أن أسير في القداسة التي بدأتها أنت هنا في كنيستنا وفي أرضنا. آمين.
الثلاثاء ٨/١١/٢٠٢٢