نتعلَّم أن نعيش في القدس مع يسوع - لوقا ٩: ٥١-٥٦
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا
"دَخَلُوا قَريَةً لِلسَّامِرِيِّينَ ... فَلَم يَقبَلُوهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَّجِهًا إلَى أُورَشَلِيم. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ تِلمِيذَاهُ يَعقُوب وَيُوحَنَّا قَالَا: يَا رَبّ، أَتُرِيدُ أَن نَأْمُرَ النَّارَ فَتَنزِلَ مِنَ السَّمَاءِ وَتَأْكُلَهُم؟ فَالتَفَتَ يَسُوع وَانتَهَرَهُمَا" (٥٢-٥٥).

٥١. ولما حانت أيام ارتفاعه، عزم على الاتجاه إلى أورشليم.
٥٢. فأرسل رسلًا يتقدَّمونه، فذهبوا فدخلوا قرية للسامريين ليُعِدُّوا العُدَّة لقدومه
٥٣. فلم يقبلوه لأنه كان متَّجِهَا إلى أورشليم.
٥٤. فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا: يا رب، أتريد أن نأمر النار فتنزل من السماء وتأكلهم؟
٥٥. فالتفت يسوع وانتهرهما.
٥٦. فمَضَوا إلى قرية أخرى.
"وَلَمَّا حَانَتْ أَيَّامُ ارتِفَاعِهِ، عَزَمَ عَلَى الِاتِّجَاهِ إلَى أُورَشَلِيم" (٥١).
" وَلَمَّا حَانَتْ أَيَّامُ ارتِفَاعِهِ" إلى السماء. من أجل هذه الساعة جاء يسوع إلى العالم، الساعة التي يُمَجَّدُ فيها، ويُظهِرَ مجده للناس، لكن بالموت. سيحكم عليه الناس بالموت. هذه هي مشيئة الآب، هذه هي مشيئة يسوع، كلمة الله الذي صار إنسانًا. من أجل هذا صار إنسانًا مثلنا. كل سرِّه أمامنا في هذه الآية. كلمة الله صار إنسانًا، ليموت من أجلنا، ويقدِّمَنا، بعد أن يطهِّرَنا بدمه، تقدمة طاهرة لله. أتت الساعة. ويسوع عازم على الذهاب إلى أورشليم.
إلى أورشليم يسوع يذهب الآن ليموت، ليتمِّم مشيئة الآب، وليخلِّص البشرية. بعد الآن، القدس هي لهذا، للذهاب إلى الموت وللفداء. لم تعد القدس للناس. بعد الآن، نذهب إلى القدس مع يسوع، لسر الصليب وفداء البشرية كلها. إلى القدس نذهب نحن اليوم، مع يسوع، للهدف نفسه، للسر نفسه. في القدس نعيش حياتنا اليومية، لكن مع سر يسوع. مهما حدث في القدس اليوم، في تاريخ الناس، القدس ليست للناس. إنها لسر الله. القدس لله، ولا نقدر بعد الآن أن نعيش في القدس، في كل أوجه حياتنا البشرية، إن لم نكُنْ جزءًا من سر الله فيها. قلب القدس هو سر حب الله للناس، الذي " أَحَبَّ العَالَمَ حَتَّى إنَّهُ جَادَ بِابنِهِ الوَحِيدِ لِكَي لَا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤْمِنُ بِهِ بَل تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا ٣: ١٦).
"دَخَلُوا قَريَةً لِلسَّامِرِيِّينَ ... فَلَم يَقبَلُوهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَّجِهًا إلَى أُورَشَلِيم. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ تِلمِيذَاهُ يَعقُوب وَيُوحَنَّا قَالَا: يَا رَبّ، أَتُرِيدُ أَن نَأْمُرَ النَّارَ فَتَنزِلَ مِنَ السَّمَاءِ وَتَأْكُلَهُم؟ فَالتَفَتَ يَسُوع وَانتَهَرَهُمَا" (٥٢-٥٥).
دخل يسوع في طريقه إلى أورشليم قرية سامرية. فلم يقبلوه. فغضب التلميذان يعقوب وأخوه يوحنا. لم يكونا بعد قد فهما السر الذي يحمله يسوع. ما زالا في عقليتهما البشرية، الرد على الإساءة بالإساءة. قالوا ليسوع بكل بساطة: هل نُنزِل النار من السماء لتحرق القرية كلها؟ أما يسوع فأنَّبَهما. ليس لهذا أتـى، ليعاقب الناس، وليدخل في مخاصمات الناس، بل ليخلِّصَ الناس، وليخلِّص هذه القرية أيضًا. إنه ذاهب إلى أورشليم، ليتمم مشيئة الآب، فهو قابل لرفض البشرية كلها، وأتى ليصالحها مع الله. يوحنا ويعقوب، وسائر التلاميذ، سيفهمون هذا فيما بعد. وهم أنفسهم، بعد أن يفهموا، لن يُنزِلوا النار من السماء لتلتهم الناس، بل سيمنحون الحياة للناس، وسيبذلون حياتهم مثل المعلِّم من أجل خلاص الناس.
نتعلَّم أن نعيش في القدس، مع يسوع وسر يسوع، وحبه. جاء لأنه أحب الناس، وليخلِّص الناس. نتعلم أن نعيش مع الناس، فإننا نحمل إليهم، لا الحكم عليهم، بل المغفرة والخلاص.
ربي يسوع المسيح، كما أتممت مشيئة الله الآب، حتى الموت، كما جعلت القدس مكان مصالحة البشرية كلها مع الله، أعطني أن أفهم سر هذه المدينة حيث أعيش، وحيث أرسلتني لأعيش ولأعرِّفَ الناس بك. آمين.
الثلاثاء ٣/١٠/ ٢٠٢٣ الأسبوع ٢٦ من السنة/أ