بروفيسور رمزي أسعد- وداعًا!
الكاتب : فتحي فوراني
(نص الكلمة التي ألقاها الكاتب في حفل تأبين طيب الذكر، بروفيسور رمزي توفيق أسعد، والذي أقيم في كنيسة مار يوحنا الإنجيلي الأسقفية في حيفا، يوم السبت 22-5-2021 وحضره جمهور غفير من الشخصيات الاجتماعية والأدباء والشعراء والمثقفين ورجال التربية والأساتذة ورجال الدين).

كان اللقاء الأول مع صديقي طيب الذكر الدكتور رمزي في ستينات القرن الماضي عبر مجلة "الجديد". فقد كتب مجموعة من المقالات الأدبية النقدية تطرق فيها إلى أدب إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وسهيل إدريس وغيرهم من الكتاب الذين يملأون المشهد الأدبي. ولم أكن أعرف الحبيب رمزي. وسألت نفسي: من هذا الأديب المبدع الذي لم أسمع به من قبل..وأقرأ له لأول مرة؟ والحق أن لغته وأسلوبه وآراءه النقدية تركت في نفسي أطيب الأثر..وثار عندي حب الاستطلاع للتعرف عليه شخصيًّا.
**
إلى أن كان يوم ربيعي..فكان لقاء في حيفا تعرفت فيه على رمزي. تبع هذا اللقاء لقاءات مع كوكبة من المبدعين الذين يغرفون من نبع فكري واحد وتجمعهم أحلام واحدة: محمود درويش وعصام العباسي وسميح القاسم وتوفيق فياض وعبد عابدي وديب عابدي وآخرين.
*
يفتح رمزي أمامي ملف البدايات. فيقول لي
من البداية انطلقت بجناحين..لقد تخرجت من الكلية الأرثوذكسية العربية في حيفا في الفرع العلمي، وكانت تخصصاتي الكيمياء والفيزياء والرياضيات..غير أن عشق الأدب كان يجري كالدم في عروقي..وكنت شغوفًا بمطالعة الأدب العربي والترجمات عن الأدب الروسي والسوفييتي..ثم التحقت بفرع الطب في الجامعة العبرية في زهرة المدائن".
وهناك يلتقي مع صديقه طالب الطب الدكتور أحمد ريناوي..إثناهما ينهلان من الينابيع الأدبية..وتجمعهما مظلتان..الصداقة الحميمة والعطاء الأدبي الذي ترك بصماته الإبداعية في مجلة "الجديد".
ولم يصرف موضوع الطب الطالب رمزي عن عشقه وحبه الأول..وعن علاقته بالأدب والأدباء والشعراء في حيفا. كان يتحين الفرصة لكي يطير من زهرة المدائن إلى عروس الكرمل للقاء أصدقائه الشعراء والكتاب..ويطفئ حرارة عطشه وينهل من الينابيع الأدبية وينتشي من اللقاءات الثقافية.
**
يتخرج رمزي من كلية الطب متفوقًا..ويواصل علاقته الحميمة مع الأدب والمطالعة والأصدقاء المثقفين.
ثم يشق طريقه ليصبح واحدًا من أبرز الأطباء في مستشفى رمبام. وفي نفس الوقت حافظ على علاقته بخير جليس في الزمان..وظل ينهل من الينابيع الثقافية.
**
وفي خضم الأحداث السياسية ولا سيما ما خلفته الحربان حزيران 67 وتشرين 73 من خرائب سياسية، بدأت رياح سموم تهب على الأجواء التي يعيشها الطبيب العربي في مستشفى رمبام.
**
تحديًا للأجواء الخانقة تنشأ الرغبة عند الرجل للانطلاق نحو العلا في سماء العلوم الطبية. ويكون القرار..لا بدّ من نقلة نوعية وفتح صفحة جديدة والانطلاق نحو التخصص. يحمل رمزي حاله ويشد الرحال إلى أمريكا. وفي بوسطن يحصل على شهادة التخصص في موضوع جهاز الهضم. ثم ينتقل إلى ولاية جورجيا فيستقر فيها ويعمل طبيبًا في المستشفى الجامعي في مدينة أغاستا..وهناك يحصل على درجة الأستاذية (بروفيسور). غير أن نجاحه في مهنته كطبيب..لم يصرفه عن علاقته الحميمة بالأدب. ففي السنوات العشر الأخيرة كان نشيطًا في نادي الكتاب التقدمي، ثم دخل الجامعة ليلتحق بدورة للكتابة الإبداعية، ومن خلالها قام بترجمات من الشعر العربي إلى اللغة الإنجليزية زينها بقصيدة محمود درويش "أحن إلى خبز أمي".
وفي بيته ازدانت حيطانه بمكتبة عامرة تملأها دنيا كبيرة من الخيرات الأدبية والثقافية.
أيها الحبيب رمزي..يخيل لي..أنك لو لم تكن طبيبًا ماهرًا لكنت أديبًا وناقدًا مبدعًا يشار إليه بالبنان.
ومن بعيد..وعبر البحار والمحيطات أسمع صوتك الآن وأنت تدندن مع المغني جوني كاش أغنيتك المفضلة..لربما أتحول إلى قطرة ماء المطر..لأعود وأعود وأعود..
أيها الحبيب لقد فتحنا الأبواب والشرفات..نحن يا حبيبنا في انتظار عودتك..قطرة ماء وينابيع ومطرًا غزيرًا لا ينتهي..
**
رحمك الله أيها الحبيب رمزي..وأسكنك فسيح جناته
أحر التعازي أقدمها إلى العزيزة نائلة زوجة طيب الذكر د. رمزي وأبنائه وأخواته وأقربائه وإلى جميع آل أسعد في البلاد والخارج.
أحر التعازي إلى الصديق العزيز د. سهيل أسعد
ألهمتم الصبر والسلوان وحسن العزاء. والسلام
حيفا 22-5-2021