يسوع يتكلَّم بالأمثال - مرقس ١٢: ١-١٢
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا
"وَأَخَذَ يُكَلِّمُهُم بِالأَمثَالِ قَالَ: غَرَسَ رَجُلٌ كَرْمًا فَسَيَّجَهُ، وَحَفَرَ فِيهِ مَعصَرَةً، وَبَنِى بُرجًا، وَآجَرَهُ بَعضَ الكَرَّامِينَ، ثُمَّ سَافَرَ" (١).

١. وأخذ يكلِّمُهم بالأمثال قال: غرس رجلٌ كَرْمًا فسيَّجَه، وحفَرَ فيه معصرةً، وبنى بُرجًا، وآجَرَه بعض الكرَّامِين ثم سافر.
٢. فلمَّا حان وقت الثمر، أرسل خادمًا إلى الكرّامين، ليأخذَ منهم نصيبه من ثمر الكرم.
٣. فأمسكوه وضربوه، وأرجعوه فارغَ اليدَيْن.
٤. فأرسل إليهم خادمًا آخَر، وهذا أيضًا شجّوا رأسَه وأهانوه.
٥. فأرسل آخَرَ، وهذا أيضًا قتلوه. ثم أرسل كثيرين غيرهم، فضربوا بعضهم وقتلوا بعضهم.
٦. فبقي عنده واحد، وهو ابنه الحبيب. فأرسله إليهم آخِرَ الأمر وقال: سيهابون، ابني.
٧. فقال أولئك الكرَّاموان بعضهم لبعض: هوذا الوارث، هلُمَّ نقتُلْه، فيكونَ الميراث لنا.
٨. فأمسكوه وقتلوه وألقَوْه في خارج الكرم.
٩. فماذا يفعل ربُّ الكرم؟ يأتي ويُهلِكُ الكرَّامين، ويُعطِي الكَرمَ لآخَرِين.
١٠. أوَما قرَأْتُم هذه الآية: الحجر الذي رذله البنَّاؤون هو الذي صار رأسَ الزاوية.
١١. من عند الرب كان ذلك، وهو عَجَبٌ في أعيننا.
١٢. فحاولوا أن يمسكوه، ولكنهم خافوا الجمع، وكانوا قد أدركوا أنه يُعَرِّضُ بهم في هذا المثل، فتركوه وانصرفوا.
"وَأَخَذَ يُكَلِّمُهُم بِالأَمثَالِ قَالَ: غَرَسَ رَجُلٌ كَرْمًا فَسَيَّجَهُ، وَحَفَرَ فِيهِ مَعصَرَةً، وَبَنِى بُرجًا، وَآجَرَهُ بَعضَ الكَرَّامِينَ، ثُمَّ سَافَرَ" (١).
يسوع يتكلَّم بالأمثال. عناصر المثل اليوم مألوفة لنا: في الريف، حقل أو كرمة، وبرج من الحجر اليابس، ومضمَّن لبعض الكرَّامين، ليشتغلوا في الكرم ويعتنوا به، وفي أوان الثمر، يتقاسمون الثمر مع صاحب الكرم.
لنقرأ المثل أوَّلًا أعلاه.
أوَّلُ تفسير له قد ينطبق على كل واحد منَّا، كل واحد منا كرمة غرسها خالق الكون. الله آجَرَنا، أقرَضَنا أنفسنا، أقرَضَنا الوجود، وكل ما نحن. ومن فترة لأخرى، إنه يتفقَّدُنا، ويطلب منا الثمر، ويسألنا ماذا صنعنا في كرمته، أي في أنفسنا. يسألنا من خلال أحداث الحياة، فرح أو حزن، أو شدة شخصية، أو حَدَثٍ عام، كل الأحداث، الخاصة والعامة، هي تفقُّدٌ من خالق الكون، بها يستوقفنا الله ويسألنا ماذا صنعنا بأنفسنا، وكيف استثمرنا عطاياه الكثيرة.
جوابنا يمكن أن يكون بالرفض، مثل الكرامين القتلة في المثل، يمكن أن ننسى الله، ويمكن أن نصل إلى التجديف، لا سمح الله... يمكن أن ننسى ما نحن، وندَّعي أننا نصنع أنفسنا بقوانا، ولا حاجة لنا لأن نقدِّمَ ثمرًا أو حسابًا لأحد.
ويمكن أن يكون جوابنا جواب إنسان مؤمن متواضع أمام الله، وشاكرٍ معترف بكل عطاياه، فنقدِّمُ له سبحانه ثمار جهودنا وثمار نعمته فينا. فنبقى كرمة الله، ونعترف به خالقًا ومُجزِلًا علينا عطاياه الكثيرة، ومحبًّا لنا، فنحبُّه هو إلهنا وأبانا، ونحب جميع إخوتنا.
لنحاول أن نبقى ما نحن، كرمة لله، مِلكَه تعالى، متواضعين شاكرين لِمـَا صنَعَنا، ولكل ما أعطانا، ومستعدِّين دائمًا لأن نقدم ثمرًا وحسابًا، وأن نقول: شكرًا، يا ربّ، لكل ما أعطيتني، ولكل ما لم تُعطِني. فأنا لك، وأنت كل شيء لي. ومعك، أنا مالك كل شيء.
المعني الثاني للمثل، ينطبق على المستمعين ليسوع في زمنه، والمعارضين له. وقد فهموا جيدًا ماذا أراد أن يقول لهم بالمثل. فهُمُ الكرَّامون القتلة، الذين رفضوا واضطهدوا المرسَلِين الكثيرين إليهم من الأنبياء، وأخيرًا رفضوا قبول يسوع ابن الله.
وبدلًا من أن يستفيدوا من سماع المثل، فيتساءلوا: اين توجد الحقيقة، أهي لدى هذا الواعظ الجديد، أم لدينا، قرَّروا أنهم هم أصحاب الحق والحقيقة. هم الذين آجَرَهُم الله كرمته، ثم جعلوا من أنفسهم الملَّاكين. هم أرسلهم الله إلى أبنائه، وعهد إليهم بتعليم شريعته. لكنهم وضعوا الله جانبًا، وظنوا أن يحتفظوا بالله في بعض الكلمات أو الطقوس، أو الممارسات الخارجية. صارت شريعة الله شيئًا لهم، بدل أن تكون شريعة الله، وصارت تفسيرات منهم. أما الله فصار غائبًا عنهم.
مثل هذا يمكن أن يحدث معنا. يمكن أن نحتفظ نحن أيضًا بأعمال خارجية كثيرة، وننسى الجوهر، ننسى الذي إليه نصلي وإليه نقدِّم أعمالنا. يمكن أن "نتلو" صلواتنا، ولا نصلِّيها، وننسى الله الذي ترتفع إليه صلاتنا.
إن لم نُصلِحْ أنفسنا، نحن أيضًا، في الوقت المناسب، ولم نعترِفْ بحق الله علينا، نحن أيضًا يمكن أن يقع علينا حكم رَبِّ الكرمة.
لنفكِّرْ، لنفكِّرْ في أنفسنا، في علاقتنا مع الله، وفي علاقاتنا مع كل إخوتنا، حتى نبقى كرَّامين صالحين في كَرْمِ الله.
ربِّي يسوع المسيح، فدَيْتَني بدمك، وَهَبْتَني نفسي من جديد، وملَأْتَني بحياتك الإلهية. أعطِني أن أعرف، وأن أبقى كما صنَعْتَني بعد أن فدَيْتَني، وغفَرْتَ لي. أعطني أن أبقى مِلكًا لك، ولك أقدِّم الحساب والثمر. آمين.
الاثنين ٥/٦/٢٠٢٣ الأسبوع ٩ من السنة/أ