مِن حاجَتِها أَلقَت جَميعَ ما تَملِكُ لِمَعيشَتِها - لوقا٢١: ١-٤
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس
زمن سلام جديد؟ هل انتهت الحرب القديمة؟ ٧٣٤ يوم حرب، ابتداء من ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وحتى يوم الخميس ٩/١٠/٢٠٢٥ لما وقعوا على اتفاقية سلام. هل نبدأ نعُدُّ أيام السلام؟ "إنَّ العَدُوَّ طارَدَ نَفْسي، وسَحَقَ إِلى الأَرْضِ حَياتي. وفي الظُّلُماتِ أَسكَنَني، كالَّذينَ ماتوا لِلأَبَد" (مزمور ١٤٣: ٣). ارحمنا، يا رب. أصغ، يا رب، إلى صلوات صاحب المزمور، أصغ إلى صلوات الصغار في غزة وفي كل أرضك المقدسة، أصغ إلى دموعهم، إلى صراخهم، إلى جوعهم وكل عذابهم. متى تفتقدنا، يا رب؟ متى تضيء علينا بنور وجهك؟ كفانا موتًا، يا رب، كفانا كراهية في قلوب أبنائك. أعطنا، يا رب، سلامك، وعدلك. أصغ إلينا، يا رب، وارحمنا.
إنجيل اليوم
ورَفَعَ طَرْفَه فرأَى الَّذينَ يُلْقونَ هِباتِهِم في الخِزانة، وكانوا مِنَ الأَغنِياء. ورأَى أَرمَلَةً مِسكينَةً تُلْقي فيها فَلسَين. فقالَ: «بِحَقٍّ أَقولُ لَكُم إِنَّ هٰذِه الأَرمَلَةَ الفَقيرةَ أَلْقَت أَكثَرَ مِنهُم جَميعًا، لِأَنَّ هٰؤُلاءِ كُلَّهم أَلقَوا في الهِباتِ مِنَ الفاضلِ عن حاجاتِهم، وأَمَّا هي فإِنَّها مِن حاجَتِها أَلقَت جَميعَ ما تَملِكُ لِمَعيشَتِها» (١-٤).
أعطت المرأة الأرملة كل شيء، كل ما تملك، أعطت من حاجتها. أعطت قليلًا، لكنها أعطت كل شيء. لأنها أعطت إلى الله، وإلى الله يعطي الإنسان كل شيء، من دون حساب، ويستعد دائمًا لأن يعطي كل شيء، حتى ما هو ضروري له. الله يعطينا كل شيء، ونحن نعيد إليه كل شيء.
الله ليس بحاجة إلى عطايانا. قال على فم أشعيا النبي: "ما فائِدَتي مِن كَثرَةِ ذَبائِحِكم، يَقولُ الرَّبّ؟ قد شَبِعتُ مِن مُحرَقاتِ الكِباش، وشَحمِ المُسَمَّنات، وأَصبَحَ دَمُ الثِّيرانِ والحُمْلانِ والتُّيوسِ لا يُرْضيني" (أشعيا ١: ١١). الله لا يحتاج إلى ذبائحنا، ولا إلى صدقاتنا، لكن "أبناءه"، "إخوتنا وأخواتنا" يحتاجون.
الغاية من كل ما نملك، هو أن نتقاسمه مع إخوتنا. نستجيب لحاجاتنا طبعًا، ولكن في الوت نفسه، نستجيب لحاجات إخوتنا وأخواتنا. بل نقدم، حين يقتضي الأمر، إخوتنا على أنفسنا، لأننا إذاك نقدم الله على أنفسنا. الله يعطينا، وما يعطينا إياه فهو لنا ولغيرنا، حتى حين يبدو لنا، بل يكون حقيقة، أن ما نملكه هو نتيجة جهودنا وتعبنا. لا شيء لنا. كل شيء لله، مالك الكل، ومال الله لجميع أبناء الله.
نعطي قليلًا أو كثيرًا. المهم بأي قلب نعطي؟ بأي محبة نعطي؟ المرأة الأرملة أعطت قليلًا، لكن من حاجتها أعطت. فأعطت كثيرًا في نظر الله.
لا يلام أصحاب المال لأنهم يملكون المال، بل للطريقة التي بها يعطون. يلامون حين لا يعرفون أنهم يعطون لله، وكل شيء حق لله، وإذا أعطوا الفقير فهو صورة الله، ولله يعطون، ولله يُعطى لا صدقة بل ما هو حق لله.
المال بين أيدي الناس يمكن أن يكون وسيلة خلاص، أو وسيلة هلاك. هذا متوقف ليس فقط على طريقة استخدامه، بل على كيفية تقاسمه مع إخوتنا أو "مع الله" في إخوتنا. إن صار المال سيدًا أو صنمًا، أو وسيلة حرب، يصبح شرًّا وخطيئة. والذي يملكه يسير هو نفسه في طريق الموت. أما إن بقي المال خادمًا ووسيلة لإسناد إخوتنا، ولبناء السلام، والعدل، يبقى المال في صلاح الله، وفي قداسته على الأرض.
الطريق الصحيح لاستخدام المال، هو أن نجعله طريق حياة وطريقًا إلى الله، وذلك بإشراك إخوتنا وأخواتنا المحتاجين فيه. وبأن نعرف أن المال ليس لنا، بل لله.
ربي يسوع المسيح، خلقت الأرض كلها صالحة، وكل خيراتها تعبر عن صلاحك. لكن بضعفنا أدخلنا الخطيئة فيها. ربي يسوع المسيح، أعطني أن أرى صلاحك، فقط، في كل خيرات الأرض. آمين.
الاثنين ٢٤/١١/٢٠٢٥ الأحد ٣٤ من السنة/ج







