الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا في مقابلة صحفية يتحدث عن الأوضاع الصعبة في الأراضي المقدسة عشية الأعياد المجيدة

أجرى، الأربعاء ١٩ تشرين الثاني/ نوفمبر، مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية أندريا تورنييلي، ترافقه الصحفية فرنشيسكا ساباتينيلي، مقابلة مع بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا بدأت بسؤال نيافته حول موافقة الأمم المتحدة، مع امتناع كل من روسيا والصين عن التصويت، على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاصة بالسلام في غزة. وقال غبطة البطريرك إن قرار الأمم المتحدة لا يغير شيئا مما يحدث على أرض الواقع إلا أنه اعتراف من قِبل الجماعة الدولية. وأضاف أن هذه هي خطة، ومثل كل الخطط لن تتميز أبدا بالكمال ولكنها تلك المتوفرة الآن والوحيدة التي أوقفت في هذه اللحظة توسع الحرب ويمكنها أن تمنح حدا أدنى من الأفق للشعب الفلسطيني وليس له وحده.

الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا في مقابلة صحفية يتحدث عن الأوضاع الصعبة في الأراضي المقدسة عشية الأعياد المجيدة

أما فيما يتعلق بالحياة على أرض الواقع فقد كنا ندرك منذ البداية أنه سيكون من الصعب جدا تطبيق البنود التي تتضمنها خطة ترامب، فنحن نعلم أن حماس ليست لديها رغبة في تسليم السلاح، كما واعتقد أن إسرائيل لا ترغب كثيرا في إنسحاب شامل من القطاع، قال نيافة الكاردينال وأضاف أنه كان على الطرفين قبول هذه الخطة ولكن لديهما مصاعب كبيرة ومن الضروري الإصرار. وتابع غبطة البطريرك أن الولايات المتحدة وحدها، مع الدول العربية وتركيا، هي مَن يمكنه فرض الأمور لان الإرادة الطيبة ليست كافية في هذه اللحظة. ومن الضروري من جهة أخرى التحلي بالشجاعة لفرض، سياسيا، حلولا تقود تدريجيا إلى آفاق أكثر وضوحا ولكن هذا يتطلب وقتا طويلا وسيكون صعبا جدا.

وردا على سؤال حول الأوضاع في غزة وإن كان من الممكن إدخال المساعدات، وما يمكن القيام به بشكل عملي لمساعدة الفلسطينيين. أجاب نيافته أن الأوضاع لم تتغير كثيرا فيما يتعلق بالحياة اليومية، والشيء الوحيد الذي تغير والذي نشكر عليه الله، ومَن تمكنوا من بلوغه، هو نهاية القصف المتواصل. وتابع أن المساعدات تصل بشكل أكبر مقارنة بما سبق وبشكل أكثر استقرارا ولكن بصورة غير كافية مقارنة بالاحتياجات. وكرر هنا أنه ليست هناك تغيرات فيما يتعلق بالحياة العادية، فليست هناك مدارس والمستشفيات تعمل بشكل جزئي فقط ولا يزال من الضروري إعادة بناء كل شيء وأضاف غبطة البطريرك أننا لا نزال في المرحلة الأولى وننتظر المراحل التالية. وأكد أن هذا يتطلب حكومة ليست موجودة بعد ولا يُعرف ممن ستتكَون. وأضاف أن كل هذا يدور النقاش حوله في الأمم المتحدة وعلى أصعدة أخرى بينما يظل الأشخاص في الأوضاع ذاتها، أوضاع هي مع الأسف مأساوية.

إن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية تزداد سوءًا يوما بعد يوم

وفي إجابته على سؤال حول الأوضاع في الضفة الغربية، خاصة مع ما يقوم به المستوطنون، قال الكاردينال بيتسابالا إن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية تزداد سوءًا يوما بعد يوم، وأضاف أن لديه صورا حول الاعتداء الذي تعرضت له قرية الطيبة حيث تم الاعتداء على المساكن والسيارات وكسر الزجاج وثقب إطارات السيارات. وأكد نيافته أن ما حدث في الطيبة يحدث يوميا في قرى وبلدات أخرى وقد تَلقى قبل أيام طلب مساعدة من بلدة عابود وذلك لا فقط من قِبل الرعية بل من الجماعة كلها ومن رئيس مجلس القرية حيث لا يعلمون إلى من يمكنهم أن يتوجهوا. وقال غبطة البطريرك إن هذا الشعور بالعجز يتزايد بشكل متواصل حيث لا يبدو بالفعل أن هناك مَن يمكن اللجوء إليه. وأراد هنا تسليط الضوء على أن الصدامات التي وقعت مؤخرا بين المستوطنين وعناصر الجيش الإسرائيلي الذين حاولوا استعادة النظام هي نادرة لأن ما نشهد بشكل أكثر هو غياب تام لاحترام القانون، لحدِّ أدنى من القانون والحقوق الإنسانية، وأعرب نيافة الكاردينال عن القلق من تفاقم حدة هذا الوضع. أما عما يمكن عمله من قِبل الجماعة الدولية فقال إن عليها أن تتكلم، فمثلما دار الحديث كثيرا عن غزة بينما يقل التحدث عنها اليوم، فمن الضروري التكلم أيضا عن الوضع في الأراضي الفلسطينية. وذكَّر غبطة البطريرك هنا باعتراف دول كثيرة، وذلك مؤخرا أيضا، بفلسطين كدولة وذلك بشكل رمزي فقط لأنه لا توجد بعد دولة فلسطينية، ولكن يجب زيادة الاهتمام وتأكيد أن الاعتراف لا يكفي بل يجب أيضا التعريف بالشروط وتحديد ما يجب عمله. وتابع نيافة الكاردينال أنه لا يمكن الحديث عن عملية سياسية بينما هناك هذه الاعتداءات والمصاعب بشكل مستمر. وأضاف أنه يقول هذا بألم لأنه لا يعجبه أن يدين أو أن يتحدث بشكل سيء ضد أحد ولكن هذه هي الحقيقة ولا يمكنني أن أصمت.

منطقة مثل بيت لحم والتي لها أهمية بالنسبة للحجاج هي في حاجة إلى حضورهم

ثم تطرقت المقابلة إلى الحج إلى الأرض المقدسة وهو ما كان غبطة البطريرك قد دعا إلى عودته، وقال الكاردينال بيتسابالا إننا نتحدث عن غزة وعن الضفة الغربية وهي أوضاع خارج مسار الحج التقليدي. وتابع مشيرا إلى أن منطقة مثل بيت لحم والتي لها أهمية بالنسبة للحجاج هي في حاجة إلى حضورهم، وأضاف أن الحج الآن يمكن أن يكون آمنا، فمع وقف إطلاق النار توقف القصف على غزة كما توقفت الهجمات بالصواريخ من اليمن، وأشار نيافته إلى أن الحجاج القلائل الذين أتوا يمكنهم أن يؤكدا هذا. وواصل مجدِّدا ما ذكر أكثر من مرة حول قرب الكنيسة الجامعة خلال هذه السنوات وذلك بالصلاة وبأشكال عديدة من التضامن الملموس أيضا، والآن هناك حاجة إلى بدء مرحلة جديدة يتم فيها الشهادة للمساعدات الملموسة من خلال التواجد الفعلي أيضا. فهذا، وإلى جانب كونه هاما لمن لديه نعمة التمكن من الحج، يحمل من جهة أخرى البسمة إلى عائلات كثيرة ليست في حاجة فقط إلى المساعدات الاقتصادية بل وأيضا إلى رؤية أخوتهم وأخواتهم المسيحيين في الأرض المقدسة. وذكَّر غبطة البطريرك في هذا السياق بكوننا في سنة يوبيلية توشك على الانتهاء وهناك الكثير من الرجاء في أن تكون خلال هذه السنة نظرة لا فقط على روما بل وأيضا على القدس، فهما مدينتان ترتبط إحداهما بالأخرى ولا يمكننا انتظار اليوبيل القادم، يجب بالتالي العودة إلى مد نظرتنا إلى جذور إيماننا والتي هي أيضا شكل من التضامن والأخوة المسيحية.

لا يمكننا النظر إلى الله وإنكار الآخر والاعتراف بالآخر يعني أيضا الاعتراف بالذات

أجاب غبطة البطريرك بعد ذلك على سؤال حول الدور المفترض للقادة الدينيين في مثل هذه الأوضاع، خاصة وأنه قد تحدث في أكثر من مناسبة عن أزمة في الحوار بين الأديان. وقال نيافته إنه يكرر بألم هذا الأمر، وشدد على ضرورة استعادة الحوار بين الأديان وذلك لأنه يشكل أيضا جزءً من هويتنا الدينية، فليس أي دين جزيرة منعزلة. وأكد ان علينا استعادة هذا الحوار وتقديم هذه الشهادة كقادة دينيين وجماعات إيمان وذلك بشكل خاص في الشرق الأوسط حيث للدين دور أساسي فيما يتعلق بالهوية وبالجماعة، في الحياة المدنية والاجتماعية والسياسية أيضا. وتابع أنه ومع بعض الاستثناءات لم يقل الجزء الأكبر من القادة الدينيين المحليين شيئا، وحين تكلموا وجهوا حديثهم إلى جماعاتهم وعنها بدون الإشارة إلى الآخرين. وحين كانت هناك إشارة إلى الآخر فقد كانت سلبية، دفاعية أو وُجهت خلالها اتهامات، وهذا أمر مثير للقلق. علينا الخروج من هذه الحلقة المفرغة، قال غبطة البطريرك وأضاف أنه لا يقصد اليهود والمسلمين فقط، فهذا يشملنا نحن أيضا ولا يمكننا أن نتباهى بكوننا أفضل من الآخرين. وشدد مجدَّدا على ضرورة استعادة الحوار عقب السابع من تشرين الأول أكتوبر وذلك مع أخذ بعين الاعتبار لا فقط ما كنا قد قلنا أحدنا للآخر من قبل بل وأيضا ما لم نقل خلال هاتين السنتين، وذلك للتقاسم ومحاولة الإصغاء. وتابع أنه يكرر اليوم حديثه عن أنه لا يمكن الانطلاق من التحليل، بل من الإصغاء أحدنا إلى ألم الآخر. وتحدث هنا عن القلق أمام صعوبة أو استحالة رؤية ألم الآخر، وأضاف أن دور الضحية مشكلة نعاني منها، فكل طرف يشعر بنفسه الضحية الوحيدة ويَعتبر الآخر المجرم. وشدد غبطته على ضرورة الخروج من هذه الرؤية، وأكد أن هذا هو دور القادة الدينيين، فلا يمكننا النظر إلى الله وإنكار الآخر. وختم الكاردينال بيتسابالا أن الاعتراف بالآخر يعني أيضا الاعتراف بالذات، وأننا بإنكارنا الآخرين ننكر أنفسنا أيضا، علينا جميعا أن ننظر إلى الله وأن نجد أنفسنا أحدنا في الآخر.