خميس الأسرار - يوحنا ١٣: ١-١٥

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

"قَبلَ عِيدِ الفِصحِ، كَانَ يَسُوع يَعلَمُ بِأَنْ قَد أَتَتْ سَاعَةُ انتِقَالِهِ مِن هَذَا العَالَمِ إلَى أَبِيهِ، وَكَانَ قَد أَحَبَّ خَاصًّتَهُ الَّذِينَ فِي العَالَمِ، فَبَلَغَ بِهِ الحُبُّ لَهُم إِلَى أَقصَى حُدُودِهِ" (١).

خميس الأسرار - يوحنا ١٣: ١-١٥

 

 ١. قبل عيد الفصح، كان يسوع يعلم بأنْ قد أتت ساعة انتقاله من هذا العالم إلى أبيه، وكان قد أحبَّ خاصته الذين في العالم، فبلغ به الحب لهم إلى أقصى حدوده.

٢. وفي أثناء العشاء، وقد ألقى إبليس في قلب يهوذا بن سمعان الإسخريوطي أن يُسلِمَه،

٣. وكان يسوع يعلم أنّ الآب جعل في يدَيْه كل شيء، وأنه خرج من الله، وإلى الله يمضي،

٤. فقام عن العشاء فخلع ثيابه، وأخذ منديلًا فائتزر به،

٥. ثم صبَّ ماءً في مَطهَرَة، وأخذ يغسل أقدام التلاميذ، ويمسحها بالمنديل الذي ائتزر به.

٦. فجاء إلى سمعان بطرس فقال له: أأنت، يا ربّ، تغسل قدمَيَّ؟

٧. أجابه يسوع: ما أنا فاعل، أنت لا تعرفه الآن، ولكنَّك ستُدرِكُه بعد حين.

٨. قال له بطرس: لن تغسل قدميَّ أبدًا. أجابه يسوع: إذا لم أغسلك فلا نصيب لك معي.

٩. فقال له سمعان بطرس: يا ربّ، لا قدمَيَّ فقط، بل يدَيَّ ورأسي أيضًا.

١٠. فقال له يسوع: من استحَمَّ لا يحتاج إلا إلى غسل قدمَيْه، فهو كلُّه طاهر. وأنتم أيضًا أطهار، ولكن لا كلكم. 

١١. فقد كان يعرف من سيُسلِمُه، ولذلك قال: لستم كلكم أطهارًا. 

١٢. فلمَّا غسل أقدامهم لبس ثيابه وعاد إلى المائدة فقال لهم: أتفهمون ما صنعت إليكم؟ 

١٣. أنتم تدعونني المعلِّم والربّ، وأصَبْتُم فيما تقولون، فهكذا أنا. 

١٤. فإذا كنت أنا الربَّ والمعلِّم قد غسَلْتُ أقدامكم، فيجب عليكم أنتم أيضًا أن يغسل بعضكم أقدام بعض. 

١٥. فقد جعلت لكم من نفسي قدوة لتصنعوا أنتم أيضًا ما صنعت إليكم.

 

 

 

        "قَبلَ عِيدِ الفِصحِ، كَانَ يَسُوع يَعلَمُ بِأَنْ قَد أَتَتْ سَاعَةُ انتِقَالِهِ مِن هَذَا العَالَمِ إلَى أَبِيهِ، وَكَانَ قَد أَحَبَّ خَاصًّتَهُ الَّذِينَ فِي العَالَمِ، فَبَلَغَ بِهِ الحُبُّ لَهُم إِلَى أَقصَى حُدُودِهِ" (١).

        اليوم أتت الساعة. اليوم الأخير من حياة يسوع على الأرض. إنه يرى الموت غدًا على الصليب، وكل ما يرافق الموت من إهانات البشر، وخطاياهم. أتت الساعة. وكان قد أحبَّ خاصته. خاصته هم تلاميذه الذين تبعوه، بل هم البشرية كلها. أحبَّها منذ الأزل. والآن تمَّ الزمان ليطيع حتى الموت من أجل الذين أحبهم.

أحبَّ. الله محبة. الله يحب الإنسان، يحب البشرية التي خلقها. خطايا وآثام وجرائم، وشرور كثيرة، في الإنسان. أما الله فمحبة. يريد يسوع أن يمحو الشرور كلها، يريد أن يحرر الإنسان، بآلامه وموته. " فَبَلَغَ بِهِ الحُبُّ لَهُم إِلَى أَقصَى حُدُودِهِ". إلى أن صار كلمة الله الأزلي إنسانًا مثلنا، وإلى أن تألم ومات من أجلنا.

        كَانَ يَسُوع يَعلَمُ بِأَنْ قَد أَتَتْ سَاعَةُ انتِقَالِهِ مِن هَذَا العَالَمِ إلَى أَبِيهِ".

        ما علاقتي أنا بالله؟ الله يحبني، وإلى أقصى حدود الحب. وأنا كيف هو حبي لله؟ هذه أيام مقدسة، لأفحص ضميري، وأعرف ماذا فيَّ، وأبن آنا من حب الله لي، وكيف أرُدُّ على حبه.

        وكان هذا اليوم يوم عشاء الفصح.      

"فَقَامَ عَنِ العَشَاءِ، فَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِندِيلًا فَائْتَزَرَ بِهِ، ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مَطهَرَة، وَأَخَذَ يَغسِلُ أقدَامَ التَّلَامِيذِ، وَيَمسَحُهَا بِالمـِندِيلِ الَّذِي ائتَزَرَ بِهِ" (٤-٥).

آخر تعليم لرسله. كونوا خادمين بعضكم لبعض وللناس. لا رؤساء. كونوا معَلِّمِين، حاملين نعمة الله، حُبَّ الله للناس، لا رؤساء. الخدمة الكبرى، التعليم الأكبر هو الشفقة على الناس، هو حبُّ الناس، وأن نعلِّمَهم كيف يحِبُّون بعضهم بعضًا، مثل حب يسوع لنا وللناس أجمعين. غسَلَ أقدامهم. هذه هي الرسالة. ومع الرسالة الوصية الجديدة: كونوا خادمين لا رؤساء، وأحبوا بعضكم بعضًا. هكذا تُبنَى الكنيسة، وهكذا يُبنَى المجتمع، وهكذا يُبنَى الإنسان. أفضل ما في الإنسان، أكمل ما فيه، الحياة الوافرة فيه، ملء الحياة فيه، هو مقدرته على الحب والخدمة.          

"فَقَد جَعَلْتُ لَكُم مِن نَفسِي قُدوَةً لِتَصنَعُوا أَنتُم أَيضًا مَا صَنَعْتُ إلَيكُم" (١٥). هذا هو المثال. معلِّمٌ وربٌّ، كلمة الله الأزلي، إنسانٌ حق وإلهٌ حق، وخادمٌ لرسله. وتلاميذه من بعده، معلِّمون وخادمون، مُصَلُّون وخادمون، مُحِبُّون وخادمون. والنظر محدق دائمًا إليه، هو المثال.

ربي يسوع المسيح، علَّمْتني، وأحبَبْتني إلى أقصى الحدود، وأنت لي المثال، أعطني أن أنظر دائمًا إليك، وأن أحِبَّ بمثل حبك، وأكون خادمًا لإخوتي. آمين.

الخميس٦/٤/٢٠٢٣