خبز السماء، حياة العالم، حياتنا الشخصية - يوحنا ٦: ٣٠-٣٥

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس

٣٠ قالوا له: فأَيُّ آيةٍ تَأتينا بِها أَنتَ فنَراها ونَؤمِنَ بكَ؟ ماذا تَعمَل؟ ٣١ آباؤُنا أَكَلوا المــَنَّ في البَرِّيَّة. كما وَرَدَ في الكِتاب: أَعْطاهم خُبزًا مِنَ السَّماءِ لِيأكُلوا. ٣٢ فقالَ لَهم يسوع: الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: لم يُعطِكُم موسى خُبزَ السَّماء، بل أَبي يُعطيكُم خُبزَ السَّماءِ الحَقّ، ٣٣ لأَنَّ خُبزَ اللهِ هُوَ الَّذي يَنزِلُ مِنَ السَّماء ويَهَبُ الحَياةَ لِلعالَم. ٣٤ فقالوا له: يا رَبّ، أَعطِنا هذا الخُبزَ دائِمًا أبدًا. ٣٥ قالَ لَهُم يسوع: أَنا خُبزُ الحَياة. مَن يُقبِلْ إِليَّ فَلَن يَجوع، ومَن يُؤمِنْ بي فلَن يَعطَشَ أبَدًا.

خبز السماء، حياة العالم، حياتنا الشخصية - يوحنا ٦: ٣٠-٣٥

الحرب ١٩١

        "في دُعائي أَجِبْني، يا إِلهَ بِرِّي. في الضِّيقِ فرَّجْتَ عنِّي، فارْحَمْني واستَمع إِلى صَلاتي. بسلام أَضَّجعُ ومِن ساعَتي أَنام، لأَنَّكَ وَحدَكَ يا رَبُّ في أمانٍ تُسكِنُني" (مزمور ٤: ٢و٩).

        ارحمنا، يا رب. الوضع في غزة يسير إلى أسوأ، وفي كل الأرض المقدسة، والمنطقة كلها، ويوشك أن يتفجر في العالم. حرب عالمية تنطلق من القدس. أنت ترى وتعلم، يا رب. وتعلم ما نحن بحاجة إليه، الجميع، الولايات المتحدة وإسرائيل وفلسطين وإيران والعالم كله. كلنا خليقتك، وأبناؤك. نجِّنا، يا رب، من الدماء. ذكِّر أهل الحرب، ما هم، ولماذا خلقتهم، ليُحِبّوا بعضهم بعضًا، لا ليقتلوا بعضهم بعضًا. أنت العدل، يا رب. ومنك العدل بيننا. أعطنا أن نرى اليوم الذي نقدر أن نقول فيه نحن أيضًا مع المزمور: "بِسَلامٍ أَضَّجعُ ومِن ساعَتي أَنام، لأَنَّكَ وَحدَكَ يا رَبُّ في أمانٍ تُسكِنُني". ارحمنا، يا رب.

      

        إنجيل اليوم

        نتابع قراءة الفصل السادس من إنجيل القديس يوحنا عن خبز الحياة.

        "قالوا له: فأَيُّ آيةٍ تَأتينا بِها أَنتَ فنَراها ونَؤمِنَ بكَ؟ ماذا تَعمَل؟ آباؤُنا أَكَلوا المــَنَّ في البَرِّيَّة. كما وَرَدَ في الكِتاب: أَعْطاهم خُبزًا مِنَ السَّماءِ لِيأكُلوا. فقالَ لَهم يسوع: الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: لم يُعطِكُم موسى خُبزَ السَّماء، بل أَبي يُعطيكُم خُبزَ السَّماءِ الحَقّ، لأَنَّ خُبزَ اللهِ هُوَ الَّذي يَنزِلُ مِنَ السَّماء ويَهَبُ الحَياةَ لِلعالَم" (٣٠-٣٣).

        أمر غريب. شاهدوا قبل قليل معجزة تكثير الخبز، والآن يطلبون آية لكي يؤمنوا. يصعب على الإنسان أن يفهم عمل الله. نحن بحاجة إلى الله لكي نفهم عمل الله فينا، لنفهم ما يقوله لنا وما يعطينا إياه، وما يعطيه للعالم. هو الخالق، وهو أبونا، والعالم مليء بآياته، وبعمله، لكن، نحن وحدنا، عميان. لا نرى. فنطلب الآيات نحن أيضًا، بالرغم من كثرة الآيات في الخليقة.

        "فأَيُّ آيةٍ تَأتينا بِها أَنتَ فنَراها ونَؤمِنَ بكَ؟"

        نحن نؤمن بالله، وتبعنا يسوع، ونحن أيضًا نطلب الآيات ... أعطانا يسوع آية، أعطاها للجموع التي كانت تتبعه، وأعطانا إياها. "أَبي يُعطيكُم خُبزَ السَّماءِ الحَقّ، لأَنَّ خُبزَ اللهِ هُوَ الَّذي يَنزِلُ مِنَ السَّماء ويَهَبُ الحَياةَ لِلعالَم".

        خبز السماء، حياة العالم، حياتنا الشخصية. يسوع نفسه، جسده ودمه. القداس في كل يوم. القربان الأقدس. ذبيحة الجلجلة متجددة كل يوم. هذه آية ترافق حياتي كل يوم. يسوع الميت على الصليب من أجلي.. آمنت، يا رب. أعطني أن أبقى واعيًا لأرى ما تعطيني كل يوم، وكل لحظة في القربان الأقدس.

        الجموع في زمن يسوع لم يفهموا. فكَّروا في شؤون الأرض. نحن أُعطِيَ لنا أن نعرف ونفهم. لكنّا ننسى. كل شيء فينا يصبح عادة فننسى.

        "فقالوا له: يا رَبّ، أَعطِنا هذا الخُبزَ دائِمًا أبدًا" (٣٤). إنهم يطلبون خبز الأرض.

        حاول يسوع أن يرفعهم، لكنهم ظلوا على الأرض، فقط. سيفهمون فيما بعد، وسيكون بعضهم من الجموع الأولى التي قبلت المعمودية على يد الرسل. سيفهمون وسيحتفلون بالقربان الأقدس، عالمين أنه خبز الحياة وذبيحة الجلجلة.

        "قالَ لَهُم يسوع: أَنا خُبزُ الحَياة. مَن يُقبِلْ إِليَّ فَلَن يَجوع، ومَن يُؤمِنْ بي فلَن يَعطَشَ أبَدًا" (٣٥).

جوع وعطش، طلب للخبز اليومي. هذه هي الحياة على الأرض، وعند اللزوم المخاصمة للحصول على الخبز، والحروب أيضًا. هذه هي الحياة التي نحياها، بدون الله، غير واعين لهبة الله. وفي وسط همومنا وصراعاتنا يسوع يظلُّ يقول لنا: "أَنا خُبزُ الحَياة. مَن يُقبِلْ إِليَّ فَلَن يَجوع، ومَن يُؤمِنْ بي فلَن يَعطَشَ أبَدًا".

        ربي يسوع المسيح، كلَّفْتنا بإدارة الأرض والعناية بها، وبقيت معنا. أردت أن تكون "خبزنا"، أنت نفسك، الإله الحق والإنسان الحق، معنا في سر القربان الأقدس. افتح عينيَّ، وقلبي، وذهني، حتى أرى ما تعطيني، كل يوم. آمين.      

                       الثلاثاء ١٦/٤/ ٢٠٢٤            بعد الأحد الثالث للفصح