التأمل اليومي من غبطة البطريرك ميشيل صباح الجزيل الوقار
"وَبَينَمَا هُوَ يَقُولُ ذَلِكَ، إذَا امرَأَةٌ رَفَعَتْ صَوتَهَا مِنَ الجَمعِ فَقَالَتْ لَهُ: طُوبَى لِلبَطنِ الَّذِي حَمَلَكْ، وَلِلثَّدْيَينِ اللَذَينِ رَضِعتَهُمَا! فَقَالَ: بَل طُوبَى لِمَن يَسمَعُ كَلِمَةَ الله وَيَحفَظُهَا" (لوقا ١١: ٢٧-٢٨).

طوبى لمن يحفظ كلمة الله، الله أبونا الذي في السماء. هو أبونا، وكلنا أبناؤه. امرأة بسيطة صادقة من الشعب رأت في يسوع الإنسان رجلًا حكيمًا مدهشًا في أقواله وأعماله، فقالت له: طوبى لمن ولدك، طوبى لوالدتك. إنك مفخرة لذويك ولنا جميعًا. وصحَّح يسوع رؤيتها، حتى تنتقل من رؤية الإنسان إلى رؤية الله، - إلى أن يحين الوقت الذي يتحول فيه إعجابها البسيط بيسوع الإنسان، إلى الإيمان بيسوع الإله، كلمة الله الأزلي، وبه ومنه تتعلم أن ترى الله الآب، وكل حياة السماء، إلى أن يأتي الوقت التي تُرفَع فيه هي أيضًا مع جماعة المؤمنين، لترى الله على الأرض التي تعيش عليها.
طوبي لمن يسمع كلمة الله ويقبلها، فتصير له الكلمة نورًا وهداية في حياته، فيرى أكثر مما يرى من الأرضيات، يرى الله، ويمتلئ بحبه.
أحفظ كلمة الله. كيف أحفظها؟ في موقفي من الله، في أن أضع كل همومي ومشاريعي وأفكاري بين يديه، وهو يعمل لا أنا، هو يحمل همومي، وأنا أطمئن، كل كنيسته وتنظيماتها، ونوايا المنظمين على الأرض، يدبرها هو، أنا أضعها أمامه، أمام حبه والحقيقة التي هي هو.
أحفظ كلمة الله، فأراه هو العامل في كل مجالات حياتي، لا أنا. أنا لا أقدر شيئًا. قال يسوع: بدوني لا تستطيعون شيئا، وإن حفظتم كلمة الله تقدرون كل شيء. الأرض كلها أعيدها بين يدي خالقها، فلا تبقى مشاريعَ بشر، تذهب يمينا أو شمالا، بل تكون مشروعًا له، يبقيه هو في الطريق المستقيم الذي يريده هو. فتصبح حياتي كلها وصلاتي كلها: لتكن مشيئتك، يا رب. وتصبح حياتي: لا شيء مستحيل لدى الله، ولا شيء مستحيل لمن يؤمن بالله. طوبى لمن يحفظ كلمة الله، ويرى يسوع الإله الحق الإنسان الحق، الذي جاء ليرفعنا ولنكون معه آلهة، نعرف مثله أن نحب.
عالم يحب. عالم يحفظ كلمة الله. عالم يرى الله. ويرى الجميع أبناء لله، ومن ثم إخوة، متجاوزا كل الخلافات والحدود التي تفرِّق بين الناس. يتجاوز حتى الحروب والصراعات بين الشعوب، ليرى الله ربنا وأبانا، الذي علمنا أن نحب، وجعلنا قادرين على أن نحب.
طوبى لمن يحفظ كلمة الله. سعادتي في أن أحفظ كلمة الله، في أن أسير في طرق الله، لا في طرقي. أسير في طرق الأرض بكل صلاحها وشرها، ولكن أبقى في صلاحها وأغلب شرها بما منحني الله أبي من مقدرة على الحب، مثله.
إلهي وأبي، أعطني أن أحفظ كلمتك، أن أعرف أنك أنت الذي تعمل في الأرض، مهما بدت بعيدة عنك، ومهما كثرت شرورها. أعطني أن أحفظ كلمتك، وأن أقبل ما تعلِّمني إياه، وأضع كل شيء بديك، ليكون ما تريد أنت، لأنك أنت السيد وأنت أبونا جميعًا. آمين.
السبت ٨/١٠/٢٠٢٢