وَلِمَ لَا تَحكُمُونَ بِالعَدْلِ مِن عِندِكُم - لوقا ١٢: ٥٤-٥٩

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

"أَيُّهَا المـُرَاؤُونَ، تُحسِنُونَ تَفَهُّمَ مَنظَرِ الأَرضِ وَالسَّمَاءِ، فَكَيفَ لَا تُحسِنُونَ تَفَهُّمَ الوَقتِ الحَاضِرِ؟ وَلِمَ لَا تَحكُمُونَ بِالعَدْلِ مِن عِندِكُم؟" (٥٦-٥٧).

وَلِمَ لَا تَحكُمُونَ بِالعَدْلِ مِن عِندِكُم - لوقا ١٢: ٥٤-٥٩

 

٥٤. وقال أيضا للجموع: إذا رأيتم غمامة ترتفع في المغرب، قلتم من وقتكم: سينزل المطر، فيكون كذلك. 

٥٥. وإذا هبت الجنوب قلتم: سيكون الجو حارا، فيكون ذلك. 

٥٦. أيها المراؤون، تحسنون تفهم منظر الأرض والسماء، فكيف لا تحسنون تفهم الوقت الحاضر؟ 

٥٧. ولم لا تحكمون بالعدل من عندكم؟ 

٥٨. فإذا ذهبت مع خصمك إلى الحاكم، فاجتهد أن تنهي أمرك معه في الطريق، لئلا يسوقك إلى القاضي، فيسلمك القاضي إلى الشرطي، ويلقيك الشرطي في السجن. 

٥٩. أقول لك: لن تخرج منه حتى تؤدي آخر فلس.

 

       الحرب. اليوم ٢٠.

       يا رب، ارحم. الحرب مستمرة، ودمارها وويلاتها. صراخ الأطفال، ودموع الأمهات، والوالدين.... والأنقاض، القبور الجديدة للإنسانية. يا رب، انظُرْ وارحَمْ. الناس قساة. أَصلِحْهم. قُلْ لهم إنَّ السلام لا يُصنَعُ بالحرب. ذكِّرْهم أنهم على صورة الله خلَقْتَهم. وأنك وَكَلْتَ إليهم الأرض ليجعلوا منها مسكنًا لهم جميعًا، حتى لا يبقى أحد محرومًا أو مظلومًا. ولا يبقى أخ ظالمــًا لأخيه، ولا شعب ظالمــًا لشعب آخر. يا رب، ارحم. علِّمْنا. اجعلنا تلامذة لك، حتى نتعامل كلنا تعامل إنسان.

 

       إنجيل اليوم.

       "أَيُّهَا المـُرَاؤُونَ، تُحسِنُونَ تَفَهُّمَ مَنظَرِ الأَرضِ وَالسَّمَاءِ، فَكَيفَ لَا تُحسِنُونَ تَفَهُّمَ الوَقتِ الحَاضِرِ؟  وَلِمَ لَا تَحكُمُونَ بِالعَدْلِ مِن عِندِكُم؟" (٥٦-٥٧).

       مراؤون. تدَّعون المعرفة. وتحصرون علمكم في معرفة زمن الحرِّ والشتاء. أما علامات الله، "في الوقت الحاضر" فلا تعرفون أن تفهموها. في الوقت الحاضر، فيه الله صار قريبًا منكم، وهو الكلمة المتجسد. إنكم لا ترون ولا تسمعون ما يقول الله. مراؤون. تدَّعُون أنكم تعلِّمون شريعة الله، ولا تستطيعون أن تحكموا بالصواب في أعمال الله، أمامكم.

       "وَلِمَ لَا تَحكُمُونَ بِالعَدْلِ مِن عِندِكُم؟" جاء يسوع يتكلَّم بسلطان، وأتاكم بتعليم جديد، يُكمِلُ الشريعة التي تقولون إنكم حرَّاسها. وأيَّد كلامه بالأعمال وبالخير الذي صنعه. كل إنسان يقدر أن يرى ويفهم، شفقته، وشفاء المرضى الكثيرين ... البسطاء والصغار فهموا، وأنتم "العلماء" رفضتم أن تروا.

       أن نرى علامات الله، في زمننا. الناس المعارضون حول يسوع في زمنه، يجب أن نرى فيهم صورة لنا. يمكن أن نكون مثلهم. يمكن أن نكون من المتواضعين والبسطاء الذين رأوا صلاح الله في أعماله، ويمكن أن تأخذنا الكبرياء والغرور فنقول، هذا الكلام للجهال، ليس لنا نحن العلماء. نحن نفهم ونحلِّل، ونعرف علامات الأزمنة، زمن المطر وزمن الشمس. أيها المراؤون، تعرفون الكثير من أشياء الأرض، أما معرفة الله فتضعونها جانبًا، بكبرياء في العقل، أو بسبب مصالح لكم.

       كلمة يسوع: "وَلِمَ لَا تَحكُمُونَ بِالعَدْلِ مِن عِندِكُم؟"، لنجعل منها نورًا فنعرف ماذا نعمل، نحن أيضا، بكلام الله. نحن أيضًا، حُرّاس الشريعة، نحن المؤمنين العلمانيين، وخصوصًا الكهنة، يمكن أن ينطبق علينا كلام يسوع، فلا نرى ما هو صواب. علينا أن نبذل جهدًا كثيرًا لنعرف ماذا في أنفسنا، ولنرى الله، ولنعرف أن نقرأ علامات الأزمنة التي يرسلها الله لنا.

       "فَإِذَا ذَهَبْتَ مَع خَصمِكَ إلَى الحَاكِمِ، فَاجتَهِدْ أَن تُنهِيَ أَمرَكَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ، لِئَلَّا يَسُوقَكَ إلَى القَاضِي، فَيُسلِمُكَ القَاضِي إلَى الشُّرطِيِّ، وَيُلقِيكَ الشُّرطِيُّ فِي السِّجنِ" (٥٨). 

         خصام بين الإخوة؟ لا تجعلوه سبب حرب وويلات حرب. هذا ما نعيشه اليوم. ولا ننظر إلى غيرنا لنلقي اللوم عليه. لينظر كل واحد إلى نفسه ليرى بأي مقدار الحرب قائمة في نفسه؟ "اجتَهِدْ أَن تُنهِيَ أَمرَكَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ"، قبل الوصول إلى القاضي. تصالحوا وتعاملوا كإخوة. ارفعوا نظركم فوق مصالحكم، حتى تروا عدل الله وسلامه، وفي عدل الله لا يضيع حق إنسان، وتجنبوا كل ويلات الحرب. على قادة الشعوب أن يتأملوا في كلام يسوع هذا. لكن أيضًا، كل واحد منا. نحن أيضًا يمكن أن نكره أو أن نُحِبّ، في قلوبنا. لِنَبقَ في حب الله أبينا، وحبِّ كل إخوتنا. المحبة تتجنَّب الحرب، وتبني المصالحة على العدل والاعتراف بحق كل واحد.

      ربي يسوع المسيح، علِّمْنا طرق العدل والسلام. علِّمْنا طرقك. أنت الطريق والحق والحياة. ربي يسوع المسيح، أيامنا صعبة، علِّمْنا وارحمنا. آمين.

الجمعة ٢٧/١٠/ ٢٠٢٣               بعد الأحد ٢٩ من السنة/أ