كنيسة المخلص اللوثرية: تاريخ عريق في قلب القدس

الكاتب : صحيفة "القدس" – الخميس 9 تشرين الأول 2025

الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في القدس أو كنيسة المخلص "الفادي" اللوثرية، هي ثاني كنيسة بروتستانتية تبنى في مدينة القدس بعد كنيسة المسيح، التي أسستها بعثة تبشيرية بريطانية عام 1849 قرب باب الخليل. تقع الكنيسة في حارة النصارى بالبلدة القديمة للقدس. وقدم السلطان العثماني عبد العزيز الأرض التي أقيمت عليها لولي عهد بروسيا الأمير فيلهلم، تكريما لمشاركته في حفل افتتاح قناة السويس عام 1869.

كنيسة المخلص اللوثرية: تاريخ عريق في قلب القدس

وافتتحت الكنيسة رسميا عام 1898 في احتفال كبير حضره قيصر ألمانيا وملك بروسيا فيلهلم الثاني وزوجته. تعد هذه الكنيسة، التي تعود ملكيتها لمؤسسة القدس الإنجيلية ومقرها في هانوفر، من أبرز المباني البروتستانتية في القدس، وتقام فيها العبادات باللغات العربية والألمانية والدنماركية والإنجليزية.

تذكر بعض المصادر أن الأرض التي بنيت عليها الكنيسة أهديت في بداية القرن التاسع الميلادي من الخليفة الأموي هارون الرشيد للإمبراطور شارلمان ملك الفرنجة.

وفي عام 1064، انتقلت ملكيتها إلى تاجر إيطالي بنى عليها كنيسة القديسة ماريا لاتينا، ثم في عام 1099 شيد فرسان الإسبتارية ديرا بجوارها في السنوات الأولى للحروب الصليبية.

وبعد استرداد صلاح الدين الأيوبي للقدس، غادرها الصليبيون، وهُجرت الكنيسة والدير، فتدهورت وتهدمت بناياتها وأسوارها تدريجيا عبر القرون.

ومع ظهور حركات الإحياء الديني في القرن التاسع عشر، ازداد اهتمام المسيحيين الأوربيين بالأراضي المقدسة، واستقرت عدد من الجمعيات التبشيرية في القدس.

وبمبادرة من ملك بروسيا فريدريش فيلهلم الرابع أنشئت فيها أبرشية مشتركة مع الكنيسة الإنجليكانية في إنجلترا مما عزز الاعتراف بالبروتستانتية جماعة دينية في الشرق.

في عام 1869 أهدى السلطان العثماني عبد العزيز جزءا من أرض المورستان لولي عهد بروسيا الأمير فيلهلم، لإقامة كنيسة على أنقاض كنيسة القديسة ماريا لاتينا.

وتولت جمعية القدس الإنجيلية جمع التبرعات، فجمعت حوالي مليون مارك لبناء أول كنيسة لوثرية ألمانية في الأرض المقدسة.

وُضع الحجر الأساس في عام 1893، وافتتحت الكنيسة رسميا عام 1898 في عيد الإصلاح يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول.

كان القيصر يرغب في دخول القدس على صهوة جواده، وقد أحضر لهذا الغرض معه من برلين ستة خيول إضافة إلى 500 بغل و110 صناديق.

غير أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني اعتبر هذا الأمر مخالفا للتقاليد الشرقية.

توصل المسؤولون عن ترتيبات الزيارة إلى حل آخر، فتم ردم جزء من خندق مدينة القدس وإنشاء مدخل جديد بجوار باب الخليل.

وشهدت مدينة القدس أعمال تجميل وتجديد في جميع أنحائها حتى نظام الصرف الصحي الذي كان متهالكا خضع لإصلاحات شاملة.

واستُقبل القيصر بواحد وعشرين طلقة مدفعية، وعَزفت فرقة الجيش التركي النشيد الوطني الألماني.

وقد أثار بناء كنيسة بروتستانتية حفيظة الكاثوليك الألمان، فبادر القيصر في اليوم نفسه إلى التبرع بقطعة أرض على جبل صهيون.

وفي السنوات اللاحقة بنيت عدد من المدارس التي تتبع الكنيسة اللوثرية منها مدرسة ابتدائية وإعدادية في بيت لحم.

واعترف المجلس الملكي بالأردن رسميا بالكنيسة اللوثرية بالقدس عام 1959.

وفي عام 1979 أصبحت الكنيسة الناطقة بالعربية مستقلة عن الوكيل الألماني.

كُلف المهندس المعماري الألماني فريدريش أدلر، بتصميم للكنيسة على الطراز البازيليكي المستوحى من العمارة الرومانية القديمة.

تميزت الكنيسة بنوافذ زجاجية ملونة ذات أنماط زخرفية، إضافة إلى فسيفساء تجسد رأس المسيح.

تعرضت الكنيسة لأضرار كبيرة في حرب 1948 ثم حرب الأيام الستة عام 1967.

عرف التصميم الداخلي الأصلي للكنيسة تغييرات جذرية خلال أعمال التجديد.

أثناء عمليات الحفر لبناء الكنيسة عام 1893، عثر العمال على جدار اعتقد علماء الآثار أنه بقايا سور المدينة القديمة.