التأمل اليومي من غبطة البطريرك ميشيل صباح الجزيل الوقار

ربي يسوع المسيح، علَّمتنا أن الله نور، وأن نسير في نوره، وقلت لنا إن الله يحبنا ويسهر علينا بعنايته الدائمة. أعطنا أن نؤمن. أعطنا أن نجدد إيماننا في الشدائد. أعطنا أن نعرف كيف نقاوم الشر والاعتداء. أعطنا أن نبقى في النور، وألَّا نقع في الجهل الكبير، الذي هو أن نظلم أحدًا من إخوتنا باسمك، ونحن نظن أننا نعمل الخير باسمك. آمين.

التأمل اليومي من غبطة البطريرك ميشيل صباح الجزيل الوقار

لوقا ١٢: ١-٧

١. واجتمع في أثناء ذلك ألوف من الناس، حتى داس بعضهم بعضا، فأخذ يقول لتلاميذه أولا: إياكم وخمير الفريسيين، أي الرياء.

٢. فما من مستور إلا سيكشف، ولا من مكتوم إلا سيعلم.

٣. فكل ما قلتموه في الظلمات سيسمع في وضح النهار، وما قلتموه في المخابئ همسا في الأذن سينادى به على السطوح. 

٤. وأقول لكم يا أحبائي، لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ثم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا بعد ذلك.

٥. ولكنني سأبين لكم من تخافون: خافوا من له القدرة بعد القتل على أن يلقي في جهنم. أقول لكم: نعم، هذا خافوه.

٦. أما يباع خمسة عصافير بفلسين، ومع ذلك فما منها واحد ينساه الله.

٧. بل شعر رؤوسكم نفسه معدود بأجمعه. فلا تخافوا، إنكم أثمن من العصافير جميعا.

ثلاثة مواقف في حياة المؤمن. الأول: النور والوضوح. لا شيء خفي. "مَا مِن مَستُورٍ إلَّا سَيُكشَفُ، وَلَا مِن مَكتُومٍ إلَّا سَيُعلَمُ" (٢). أمام الله لا شيء يخفى. وحياتنا هي أمام الله ومعه، وليس فقط مع الناس. لنسر في النور أمام الله، فنسير في الاستقامة والنور مع الناس أيضًا.  لنتعلم أن نعيش أمام الله وفي نوره، فلا نعمل ما نخاف منه أو ما نريد أن نخفيه. إن صنعت شيئًا، وإن قلت شيئًا فليكن واضحًا صريحًا، ولا تخف أحدًا. لتكن مخافة الله فقط هي التي تحكم جميع أعمالك وأقوالك، حتى مشاعرك الخفية التي تعرفها أنت، وبعرفها الله، فتكون إنسانًا حرًّا، مطمئنًّا، سعيدًا، أمام الله، ولا تخاف شيئًا.

الموقف الثاني: "لَا تَخَافُوا الَّذِينَ يَقتُلُونَ الجَسَدَ ..." (٤). أعني لا تخافوا الناس، بل خافوا الله، الذي بيده الحياة والموت. لا تخافوا ظلم الناس، قاوموه يما يلهمكم الله بمحبته وعنايته الإلهية. عيشوا أمام الله ومعه، أقوياء بقوته، محبين مثله، ولا تضعفوا، ولا تحافوا، حتى ولو اختار بعضهم طريق الظلام، والموت. اعملوا جهدكم لتقاوموا، لإصلاحهم، لوقف اعتدائهم. لأنه عليكم للمحافظة على ما منحكم الله من مواهب، - مع بقائكم في النور وفي وصية المحبة الصعبة. 

"لَا تَخَافُوا الَّذِينَ يَقتُلُونَ الجَسَدَ ..." الخوف من الله، لا من الناس. والحياة أمام الله، ومع الناس أيضًا، لتبقيهم أو تعيدهم إلى نور الله. في كل جهودك ومقاومتك لشر الناس، ابقَ أنت في محبة الله. مخافة الله تعني أن مثالك هو الله ومحبة الله. مقاومة الشر في الإنسان يعني أن لا تقع في الشر نفسه، وتصبح أنت معتديًا أو ظالمـًا لإخوتك. فتكون أبعدت نفسك عن الله. احذر هذا الانحراف الكبير: أن تظلم أخاك باسم الله، وأنت تظن أنك تعمل الخير أمام الله.  

والموقف الثالث: المؤمن يؤمن بعناية الله. أن الله يعتني به ويسهر عليه: "أمَا يُبَاعُ خَمسَةُ عَصَافِيرَ بِفَلسَيْنِ، وَمَع ذَلِكَ فَمَا مِنهَا وَاحِدٌ يَنسَاهُ الله. بَل شَعرُ رَؤُوسِكُم نَفسُهُ مَعدُودٌ بِأَجمَعِهِ. فَلَا تَخَافُوا، إنَّكُم أَثمَنُ مِنَ العَصَافِيرِ جَمِيعًا" (٦-٧). نحن أمام الله أثمن من كل الخلائق. والله يسهر علينا. يسير المؤمن بهذا الاطمئنان، ويجدد إيمانه بالله وبحب الله له، في كل لحظة، مع تعاقب الأفراح والأحزان في حياته. الله يعلم كل ما يحدث لنا، ويقول لنا دائمًا: لا تخافوا الذين يقتلون الجسد، وتبقى النفس في يد الله. وكونوا أنتم أبناء النور، وآمنوا بعناية الله، وبأنكم "أثمن من عصافير كثيرة". وهو يسهر عليكم. الله يحب جميع أبنائه. وأنتم أجيبوا بمثل حبه.

ربي يسوع المسيح، علَّمتنا أن الله نور، وأن نسير في نوره، وقلت لنا إن الله يحبنا ويسهر علينا بعنايته الدائمة. أعطنا أن نؤمن. أعطنا أن نجدد إيماننا في الشدائد. أعطنا أن نعرف كيف نقاوم الشر والاعتداء. أعطنا أن نبقى في النور، وألَّا نقع في الجهل الكبير، الذي هو أن نظلم أحدًا من إخوتنا باسمك، ونحن نظن أننا نعمل الخير باسمك. آمين.     

     الجمعة ١٤/١٠/٢٠٢٢

 

لوقا ١١: ٤٧-٥٤

٤٧. الويل لكم، فإنكم تبنون قبور الأنبياء، وآباؤكم هم الذين قتلوهم. 

٤٨. فأنتم تشهدون على أنكم توافقون على أعمال آبائكم: هم قتلوهم وأنتم تبنون قبورهم. 

٤٩. ولذلك قالت حكمة الله: سأرسل إليهم الأنبياء والرسل، وسيقتلون منهم ويضطهدون، 

٥٠. حتى يطالب هذا الجيل بدم جميع الأنبياء الذي سفك منذ إنشاء العالم، 

٥١. من دم هابيل إلى دم زكريا الذي هلك بين المذبح والهيكل. أقول لكم: أجل، إنه سيطالب به هذا الجيل. 

٥٢. الويل لكم يا علماء الشريعة، قد استوليتم على مفتاح المعرفة، فلم تدخلوا أنتم، والذين أرادوا الدخول منعتموهم. 

٥٣. فلما خرج من هناك، بلغ حقد الكتبة والفريسيين عليه مبلغا شديدا، فجعلوا يستدرجونه إلى الكلام على أمور كثيرة، 

٥٤. وهم ينصبون المكايد ليصطادوا من فمه كلمة. 

اشتد كلام يسوع جدًّا. واشتد عدم إيمانهم. عدم إيمان وحقد. فأرادوا أن ينصبوا له "المـَكَايِدَ لِيصْطَادُوه بكَلِمَة" (٥٤).

خطيئة الإنسان وعدل الله ورحمة الله. الله يريد أن يخلص جميع الناس. لا يريد أن يحكم على إنسان. أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لا ليحكم على العالم بل لكي يَخلُصَ به كلُّ من آمن به. الله يحب جميع الناس. مهما كثرت الخطايا. يقول القديس بولس: حيث كثرت الخطيئة كثرت النعمة والرحمة. في مَثَل الابن الشاطر انتظر الأب ابنه الخاطئ طويلا، إلى أن عاد بعد أن كثرت خطاياه، لكنه عاد تائبًا. قال: أعود إلى بيت أبي، فاستقبله أبوه بعناق حار، وفرحٍ كبير، لأنه كان ميْتًا فعاد إلى الحياة.

 هنا، في إنجيل اليوم نجد خطيئة الإنسان، لكنها الخطيئة الكبرى، الإصرار على الخطإ. الله يمنح الخلاص، الله يحب الإنسان، الله يرسل مطره وشمسه على الجميع، ويمهل الخاطئ حتى يتوب فيستقبله ويرحمه وينسى كل خطاياه. لكن هنا، في إنجيل اليوم، موقف إصرار على خطيئة ورفض للتوبة. الله لا يرفض المغفرة لتائب. الخاطئ نفسه يرفض لنفسه التوبة وطلب المغفرة.       

نحن والخطيئة. كلنا ضعاف ومعرَّضون للخطيئة. طريق التوبة والمغفرة، تبدأ بأن نعرف أنفسنا إن خطِئْنا، فنعرف ونعترف أننا خَطِئْنا. فنتوب. والله رحيم ينتظر لحظة رجوعنا، فيكون في السماء فرح بواحد يتوب... الله رحيم، لا يريد أن يهلك أحد من أبنائه. لكن حتى نبقى على طريق التوبة، حتى لا نشتد في موقف رفض وعدم إيمان، حتى لا نجد أنفسنا نخاصم الله سبحانه ونحن لا ندري، يجب أن نعرف أنفسنا، أنه من الممكن أن نخطأ، فإن خطِئْنا لا نفقِدْ وعينا، بل لِنبقَ مرتبطين برحمة الله. لا نقطع نحن الصلة بيننا وبين الله. الله لا يترك أحدًا، ولا يحكم على أحد. الخاطئ يحكم على نفسه.

الله عادل، ورحيم، ورحمته باب عدله. كل من أحب الله، مهما كانت خطاياه تُغفَر له. كل من عاد إلى الله تائبًا يَغفِر الله له خطاياه. ولكنه عادل للإنسان الذي يرفض رحمته، يرفض أن يرى وهو يرى، للإنسان المكابر في شره، والمبتعدِ هو عن الله. الله لا يبتعد، الإنسان يبتعد.

توجد سماء وتوجد جهنم. الله الذي تسبق رحمتُه عدلَه، لا يرسل أحدًا إلى العذاب الأبدي. الخاطئ المكابر رافضُ الرحمةِ ورافضُ السماء، هو الذي يبتعد عن الله، - وجهنم هي أولا الابتعاد عن الله.  الإنسان خلقه الله ليُحِبّ، والحب الذي يُشبِعُه هو حب الله خالقِه. وأوّلُ جهنم، بل جوهر عذاب جهنم، هو هذا الابتعاد عن الحب الوحيد الذي يشبعه. وإلى ذلك، تكلَّم يسوع مرارًا عن جهنم وأنواع العذاب فيها. جهنم موجودة وفيها أنواع العذاب.

اللهم، خلقْتَنا لك. وفيك نجد شِبَعَنا، وملءَ الحياة، وملءَ الحب. افتح قلبنا حتى يبقى واعيًا لما خلقْتَنا له، لنُحِبَّك أنت فقط، ولنجد كمال حياتنا في حبك أنت، وفي صنع مشيئتك على الأرض، إلى أن نفرح برؤيتك السعيدة وجهًا لوجه. اللهم الرحيم، إن خطِئْتُ أعطِني أن أعرف وأعترف أني خطئت، وأعطني أن أتوب وأعود إليك، فمنك كل خير، وكل الحياة. آمين.

الخميس ١٣/١٠/٢٠٢٢