جبران باسيل.. اللاعب المشاغب ام الظاهرة الفريدة في الحياة السياسية اللبنانية

الكاتب : كمال خلف

خرج رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مؤتمر صحفي أمس، موجها نداء إلى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، على خلفية استمرار المأزق السياسي الذي يحول دون اكتمال عملية تشكيل الحكومة.

جبران باسيل.. اللاعب المشاغب ام الظاهرة الفريدة في الحياة السياسية اللبنانية

وجدد باسيل اتهام الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري بعرقة الجهود الرامية الى تشكيل حكومة جديدة في لبنان.

وقال باسيل “أنّني اليوم أريد أن أستعين بصديق هو السيد نصرالله، لا بل أكثر، أُريده حكمًا وأأتمنه على الموضوع. أنا لا أسلّم أمري ومن أمثّل إلى السيّد نصرالله بل أأتمنه على الحقوق. هو يعرف أنّنا مستهدفين، وكلّ شيء يحصل هو للنيل منّا، ويعرف أنّنا تنازلنا بموضوع الحكومة عن كثير من الأمور”. وتوجّه الى السيد نصر الله بالقول: “أنا أعرف أنّك لا تخذل الحق. أنا جبران باسيل، “من دون ما كون عم حمّلك أي عبء، أقبل بما تقبل به أنتَ لنفسك. هذا آخر كلام لي بالحكومة”.

تفويض باسيل للسيد نصر الله وعبر الاعلام حركة سياسية في منتهى الذكاء السياسي . افلت باسيل من الحصار ورمى الكرة في ملعب لاعب يؤمن باللعب النظيف اكثر من تسجيل الأهداف . وبعيدا عن تفاصيل جهود تشكيل الحكومة وخبايا الاستعصاء السياسي والكارثة الاقتصادية . لابد من التوقف عند سياسي يتصدر يوميا وسائل الاعلام المحلية ويشن هجمات وتشن عليه الحملات منذ اكثر من عامين بشكل غير مسبوق، حتى صار ظاهرة سياسية تستحق التأمل ولاعبا مشاغبا تجمع ضده الخصوم .

منذ العام 2015 يقود السياسي اللبناني “جبران باسيل” التيار الوطني الحر “حزب مسيحي” وقبل ذلك ولعدة سنوات تقلد مناصب وزارية في عدة حكومات متعاقبة . مصاهرته للرئيس اللبناني والزعيم التاريخي للتيار الوطني “ميشيل عون” جعلته في مرمى سهام الخصوم الكثر، خاصة بعد تولي عون رئاسة الجمهورية. ومن السائد في لبنان بغض النظر عن دقة ذلك فعليا، ان باسيل هو رئيس الظل المتحكم في كل شوؤن الرئاسة، ومرد هذا الاتهام يعود الى كون الرئيس عون طاعن في السن وجبران اكثر المقربين منه. قد يكون ذلك اسطورة في بلد تتكرر فيه الاشاعة حتى تصبح امرا مسلما به كحقيقة. لكن جبران بلا ريب لاعب سياسي من الصعب فهمه . جريء الى حدود التهور، وغامض النوايا، وكثيرا من الأحيان مستفز. اشكالي في تصريحاته وفي دوره وممارسته للسياسة.

ربما برز اسمه بشكل غير مسبوق داخل و خارج لبنان من خلال الحراك الشعبي الواسع الانتشار نهاية العام 2019 بسبب الهجمات التي تعرض لها شخصيا والشتائم التي كيلت له ولعائلته في الشارع دونا عن باقي السياسيين المتهمين من قبل شرائح واسعة من الشعب اللبناني بالفساد ووصول البلاد الى شفير الانهيار التام .

و مع ان الحراك رفع شعار “كلن يعني كلن” الا انه عمليا استهدف جبران وحده . وهذا غير مستغرب، ليس لان باسيل فاسد وحيد او كبير الفاسدين، انما يعود ذلك الى استثمار خصومه في الحراك المطلبي وانخراط قوى حزبية فيه وتحويله لتصفية حسابات سياسية تحت عباءة الشارع الغاضب من الجميع . وابعد من ذلك معاقبة باسيل وتياره على الخيارات السياسية الداخلية والخارجية، مع ضلوع الولايات المتحدة وحلفائها المحليين في اختراق حراك الشارع ومحاولات توجيهه، فليس من السهل اخذ التيار المسيحي الأكبر في البلاد موقف التحالف مع حزب الله وتوقيع ورقة تفاهم معه على القضايا الداخلية والخارجية فيما عرف باتفاق “مار ميخايل” في الكنسية التي تحمل ذات الاسم عام 2006.

وعلى الرغم من أهمية ذاك الاتفاق في ترسيخ التعايش بين المسلمين و المسيحيين، الا انه تم النظر اليه من باب تشكيل غطاء مسيحي وازن لسلاح المقاومة الإسلامية في لبنان وهذا في ادبيات النفوذ الأمريكي في لبنان له ثمن، وهناك من هو مستعد دوما للتعاون محليا مع الأهداف الامريكية.

وفي هذه الجزئية يقع الاختلاف البائن بين قوتين مسيحيتين في لبنان. الاولى التي يمثلها باسيل سعت الى تقريب المسيحيين والموارنة على وجه التحديد مع باقي الطوائف في البلاد، وكسر صورة الانعزال الماروني، وانتهاج سياسية انفتاح وتصالح وطي صفحة الماضي المؤلم بما يحمله من احقاد خلال عقد ونصف من الحرب الاهلية اللبنانية . ويمثل موقف التيار الوطني من سورية ما بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان نموذجا، حيث يدفع التيار الى علاقات متوازنة مع دمشق وفق المصلحة اللبنانية .

اما القوة المسيحية الثانية حزب القوات ويمثله سمير جعجع، مازالت تصر على سياسة التقوقع المسيحي وخطاب الانعزال بمفردات زمن الحرب، واللجوء الى المليشوية في الشارع وقت الحاجة، كما جرى في الاعتداء على اللاجئين السورين اثناء توجههم للاقتراع في السفارة السورية في بيروت الشهر الماضي، وتكريس واقع العداء لسورية مع سردية لا تخلو من العنصرية مع ما يحمله ذلك من مخاطر مستقبلية على المسيحيين في لبنان. اما الانفتاح على المحيط العربي في مفهوم” حزب القوات” فمعناه عمليا العلاقة مع دول الخليج و السعودية على وجه التحديد .

 جبران باسيل لاشك بانه سياسي اشكالي وجدلي، واللافت هو كم الاخصام المتناقضين فيما بينهم المجمعين على خصومته. فهو خصم لحزب القوات “سمير جعجع” ولتيار المردة “سليمان فرنجية”، وخصم لتيار المستقبل “سعد الحريري” وحركة امل “نبيه بري” والحزب الاشتراكي “وليد جنبلاط”. وأحيانا يهاجم قادة تياره بلا مناسبة” حزب الله” الحليف الأساسي. وفق هذا الطيف من الخصومة ينظر اليه بانه مصدر الاشكال، وقد يكون ذلك مرتبطا بشخصيته وليس بنهج التيار كما يقول الخصوم.

و من المستحيل وفق ذلك حصول باسيل على ورقة ترشيح لرئاسة الجمهورية مستقبلا. كما انه اصبح هدفا دائما لهذه القوى في كل مناسبة. والاسوء هو الخطاب الإعلامي الذي يوصف بالرديء لبعض نواب وقادة التيار، والعلاقة السيئة مع وسائل الاعلام، واطلاق تصريحات جدلية وصادمة واحيانا تتناقض مع سياسية التيار المعلنة. ويراهن خصوم التيار على الانتخابات النيابية المقبلة مع ترجيحات بخسارة التيار جزأ مهما من أصوات ناخبيه وهو ما سوف يساهم في اضعافه مستقبلا وتهديد مستقبل باسيل السياسي كممثل اكبر كتلة مسيحية في البرلمان الحالي خاصة بعد انتهاء ولاية عون الرئاسية. تعتمد بعض التقييمات على بروز خلافات داخل التيار نفسه، واعتراض قيادات على طريقة إدارة باسيل للوضع داخل التيار، لكنه رغم ذلك مصمم على انه في الطريق الصحيح . يحمل الرجل كما يبدو بذرة زعيم محلي غير تقليدي يحاول ان يعلب دورا تاريخيا، لكن ظروف البلاد والعباد تعاكس هذا الاتجاه.