المسيحيون في غزة يحتمون في كنيستين كآخر محطة آمنة لهم

الكاتب : غزة - "القدس" دوت كوم - علاء المشهراوي - بتصرف

يمر المسيحيون في غزة جراء الحرب المتواصلة منذ نحو ثمانية أشهر في أسوأ مراحلهم التاريخية وأصعب الظروف الحياتية، حيث يحتمون في كنيسة سانت بورفيريوس، (وهي أقدم كنيسة في قطاع غزة وتعود للقرن الخامس الميلادي)، وكنيسة العائلة المقدسة، وهي جزء من آخر أبرشية كاثوليكية متبقية في البلدة القديمة من مدينة غزة، كآخر "ملاذ آمن" لهم ولأطفالهم، بعد أن قدموا 31 شهيدا.

المسيحيون في غزة يحتمون في كنيستين كآخر محطة آمنة لهم

مع اندلاع العدوان الاسرائيلي في 7 اكتوبر، بلغ إجمالي عدد المسيحيين في غزة قرابة 1000 شخص، تبقى منهم الان قرابة 800 فرد، بعد 236 يوما من الحرب الطاحنة والعدوان.
عدد المسيحيين في غزة آخذ بالتناقص
وقال سعد حاكورة، رجل الأعمال وأحد أقطاب المنظومة الرياضية الوطنية والاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، ورئيس المكتب التنفيذي لاتحاد المعادن الثمينة بغزة: "عدد أبناء المجتمع المسيحي في محافظات غزة تجاوز 3 آلاف قبل الحصار الاسرائيلي، وقبيل اندلاع الحرب الأخيرة بلغ عددهم ألف نسمة، والان تبقى منهم قرابة 800 فرد، لا سيما بعد استشهاد العديد منهم نتيجة انهيار المؤسسات الطبية والمستشفيات وقصفها، كما حدث للمستشفى الأهلي المعمداني، حيث استشهد 31 شهيدا منهم جراء القصف الذي استهدف الكنيسة بداية الحرب، التي كان لجأ اليها عدد كبير من أبناء عائلات المجتمع المسيحي، ولا يزال عدد منهم يعيش بين أنقاضها وأركان المبنى المدمر والخاص بمجلس وكلاء الكنيسة، ومقر الكشافة العربية الأرثوذكسية التي تعتبر الأولى على مستوى فلسطين".



الكنائس الملاذ الأخير للمسيحيين والمشردين
وقال تيودور بشارة شحادة، عضو مجلس الكنائس: "تستضيف هاتان الكنيستان 340 عائلة، أي مجموع كل المسيحيين تقريباً في غزة، وتنام هذه العائلات على فرشات موضوعة على أرضيات المباني، التي كانت بمثابة مكاتب للموظفين ومساكن للكهنة، فيما توفر الألواح الشمسية كمية شحيحة من الطاقة، تكفي فقط لشحن الهواتف، بينما يلعب الأطفال الذين يشعرون بالملل داخل ساحات المجمع المكشوفة".
وأوضح شحادة أن الكنائس هي "الملاذ الأخير" بالنسبة للمسيحيين، لكن هذه الكنائس تواجه الآن تحدياً كبيراً لاستيعاب جميع اللاجئين الوافدين إليها، وتوفير ظروف معقولة لهم.
وقال: "ما زاد الأمر تعقيدا نزوح العشرات من كنيسة الروم الأرثوذكس بعد أن طالها القصف الاسرائيلي المتواصل وفقد نحو مئة شخص ملجأهم، بحسب أحد أعضاء كنيسة الروم الأرثوذكس، بينما يتواصل القصف على مناطق متفرقة من القطاع، نشعر بالقهر والظلم وليس هناك حماية، كأننا في غابة".
نساء ومسنون ومعاقون نازحون
ويقول الأب يوسف أسعد، نائب رئيس راعي كنيسة العائلة المقدسة للطائفة الكاثوليكية في غزة، بانه يتواجد في كنيسة اللاتين، قرابة 535 نازحاً من مناطق متفرقة في غزة، من بينهم ستون شخصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأطفال تتراوح أعمارهم بين خمس إلى عشر سنوات.
وأوضح الأب يوسف أن ظروف الإقامة صعبة، لأن المكان ليس مجهزاً للسكن، فهم يقيمون في مبنى مدرسة البطريركية اللاتينية، ولا توجد فيها غرف نوم، أو حمامات أو أغطية أو أي شيء.


قتل وتضييق وهدم كنائس وبقاء
وكانت وزيرة الدولة الفلسطينية لشؤون وزارة الخارجية والمغتربين، فارسين اغابيكيان شاهين أعلنت أن "إسرائيل قتلت 3 في المئة من المسيحيين في قطاع غزة، وهدمت الكنائس واستمرت في التضييق عليهم منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي".
وحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد "دمر الجيش الإسرائيلي 3 كنائس خلال عدوانه المتواصل على قطاع غزة الذي خلف أكثر من 115 ألفا بين شهيد وجريح ومفقود، معظمهم من الأطفال والنساء، وسط مجاعة ودمار هائل".
وعبَّرت شاهين عن قلقها من "التهديد الحاصل على الحضور المسيحي الفلسطيني"، وطالبت بمزيد من التحرك والضغط العالمي "لوقف العدوان على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس".
وحول سر تمسك الأغلبية المتبقية من المسيحيين في غزة قال حاكورة: "هذا السر يتمثل بوجود إيمان مطلق وعميق، نابع من عمق الانتماء للأرض المقدسة التي باركها الله، وللوطن والقضية الفلسطينية التي تعتبر القضية الأولى والمركزية والأهم في العالم، فالمسيحيون في غزة هم ملح المعادلة التاريخية منذ 2024عام، وهم جزء أساسي وأصيل من الفسيفساء الفلسطينية، والوجود المسيح في غزة هو امتداد لوجود كنيسة المهد وكنيسة القيامة وجميع الكنائس والأديرة في القدس وبيت لحم وكافة أنحاء فلسطين".
المسيحيون متحفزون للعودة
وأوضح أن "الجانب الأهم يتمثل بأن جميع أبناء هذا المجتمع الوطني المسيحي، الذين هاجروا لأسباب عديدة، للعمل والدراسة والعبادة، والذين نزحوا مؤقتا، متحفزون للعودة إلى الوطن والاستقرار فيه مجددا لأن تراب الوطن غالي وعزيز وعشق الوطن أزلي، والرغبة الكبيرة بالعودة اليه تتعاظم بقوة رغم هذه الحرب الظالمة".
وأضاف: "لا بد للعالم أن يعي سر غزة على مدار 4 آلاف عام، حيث اتخذت شعارا طائر العنقاء أو الفينيق التاريخي الأزلي شعارا لها، الفنيق القادر على الانبعاث مجددا من بين الرماد والركام المعبق بدماء الابرياء من النساء والاطفال والشيوخ، لتثبت للعالم أجمع أنها قادرة على محبة الجميع والعيش والبقاء كباقي شعوب العالم وأنها مفتاح الأمن والاستقرار في العالم".

الصور من أرشيف القيامة