بيسان.. بلد الحضارات المتعاقبة وجولة بين الآثار الشاهدة على عراقتها

أصل الاسم القديم "بيسان" غير مؤكد، ويرجح تفسيره ببيت (أي معبد) وربما "شان" اسم الإله. عندما تبعت منطقة جنوب بلاد الشام للحكم البطلمي في العصر الهلنستي، أطلق اليونانيون اسم سكيثوبوليس (Skythopolis)على المدينة، بينما أشار اليهود المحليون إليها باسم "بيشان". في عام 749 تعرضت المدينة لهزة أرضية قوية، أدت الى خراب كبير فيها، على اثرها زال الاسم اليوناني وأطلق عليها اسم "بيسان".

بيسان.. بلد الحضارات المتعاقبة وجولة بين الآثار الشاهدة على عراقتها

تم الكشف عن بقايا دير مهدوم وكنيسة خلال حفريات عام 1930م، وعثر في تل الجسر إلى الشمال الغربي من بيسان على بقايا أبنية وأعمدة وطريق مبلط ومدافن. أما خان الأحمر الواقع إلى الشمال من تل الجسر فقد عثر فيه على أنقاض خان وبركة وأعمدة ومدافن. وفي تل المصطبة بالقرب من خان الأحمر شمال بيسان عثر على مدافن وبرج روماني، وبقايا دير وكنيسة مرصوفة بالفسيفساء، ومقبرة، وأثبتت الحفريات في تل الحصن الأثري قيام تسع مدن عليه يعود أقدمها إلى فترة حكم الفرعون المصري تحتمس الثالث (1501 – 1447 ق.م)، وأحدثها يعود إلى الفترة الإسلامية. ومن الآثار المصرية في هذا التل نصب الفرعون رمسيس الثاني (1301 – 1224 ق.م) (سلسلة المدن الإسرائيلية: 19). أما المقبرة الشمالية الواقعة إلى الشمال من تل الحصن الأثري فإنها من أكبر المقابر المكتشفة في إسرائيل حيث عثر فيها على 200 من المدافن الكهفية وتشير المرفقات الجنائزية أن المقبرة استخدمت طيلة الفترة الممتدة من العصر البرونزي المتوسط الأول حتى الفترة البيزنطية، في هذه الفترة تحولت بيسان الى مدينة مسيحية شهدت توسعا وتطورا ملحوظين، ووصل عدد سكانها إلى ذروة بارزة وصلت الى 30000 – 40000 مواطن، شيد سور حول المدينة وبنيت على التلال عدة كنائس وأديرة.

عثر في المقبرة على كسر وأغطية فخارية لحوالي خمسين تابوتا من العصر البرونزي المبكر (الرحابنة 2003: 145 – 146). وتم الكشف عن أكثر من 35 إناءً من الألباستر تعود إلى العصر البرونزي المتأخر، وعثر على أوان مصنوعة من الألباستر المصري تمثلت بمزهريتين وإبريق وكأس جاءت هذه الأواني من إحدى غرف المعبد. وزرين في غرفة المذبح، وصولجان من الألباستر، وحوالي 21 مغزلاً اكتشفت في المعبد، وعثر على ختم على شكل طائر البط، يؤرخ إلى المرحلة الانتقالية بين العصر البرونزي المتأخر والعصر الحديدي (James and McGovern 1993: 182, 183, 184, 187, 190 196). وعثر على عدد من الأواني المصنوعة من الحجر المزجج، تتمثل بإبريق وجرة بيضوية وإناء من نوع "Chalice"، وزبدية وذلك في المعبد العائد إلى المرحلة الثانية من العصر البرونزي المتأخر، وعثر على ثلاثة أمشاط ومجموعة من التعاويذ والخرز وأختام جعرانية في المقبرة الشمالية (Higginbotham 2000: 90).

وعثر على مواد مصنوعة من العاج من بينها غطاء وعاء على شكل رأس إنسان من العصر البرونزي المتأخر، وقطعة عاجية تمثل دمية، وملعقة عاجية على هيئة فتاة في وضع السباحة (الرحابنة 2003: 148). وكشفت التنقيبات الأثرية في تل الحصن عدداً من الأختام الجعرانية، منها ختم الملكة حتشبسوت وختم يحمل اسم الملك تحوتمس الثالث والرابع (Rowe 1991: 10, 18).

الحديقة العامة بيت شان معرض الآثار القديمة

تعرض في الحديقة العامة بيت شان، التي تمتد على مساحة 1600 دونم، الاثار العظيمة الرومانية البيزنطية: مدرّج، طرق العواميد، مبنى المسابح والنوافير وهياكل. فوق هذا كله، تتواجد التلة العالية التي تطل على منظر أخّاذ يجمع كل المنطقة. تتواجد في المدخل الحمامات المرتبة، الطاولات، كافتيريا وموديل مصغر للمدينة القديمة. يمر من قلب الحديقة جدول حرود الجاري على مدار العام كله.

يتسع المدرّج الروماني لـ 7000 شخص تقريبا، وقد أقيم في آخر القرن الثاني. أما مبنى المسابح فقد أقيمت في نهاية القرن الرابع وعملت طيلة الفترة البيزنطية. يتراوح طول هذا المكان 100 متر وعرضه 90 متر، مبلطة بالفسيفساء أو بالشايش الملون. وقد استعملت الساحة في المركز لمماسة الرياضة. في هذه المساحة تواجدت 8 قاعات و4 برك سباحة مفتوحة وتحيطها العواميد، وتفصلها نوافير.

يذكر د. شكري عراف في كتابه "جندا فلسطين والأردن في الأدب الجغرافي الإسلامي" عن بيسان انها "مدينة صغيرة تقع الى الجنوب من طبرية على بعد حوالي 36 كم.. مياهها كثيرة لكنها ثقيلة، ولها من جملة أنهارها نهر صغير من عين تشق المدينة، ويسمي ياقوت هذه العين "الفلوس" ويقول انها من الجنة، وهي عين فيها ملوحة يسيرة". (ص 223).

هل هناك قصد في تجاهل الآثار المسيحية؟

رغم وجود آثار مسيحية عديدة من كنائس وأديرة وغيرها في بيسان، إلا أن نشرة الدليل التي توزع في مدخل الحديقة العامة في بيسان، والصادرة عن "سلطة الطبيعة والحدائق"، ى تشير بشكل واضح إلى موقع تلك الآثار كما فعلت مع الآثار الرومانية وغيرها، وبموجب تلك النشرة كان من الصعب علينا العثور على موقع الآثار المسيحية، فقد أشير اليها بخريطة مصغرة جانبية لا تقود الزائر نحو موقع تلك الآثار بسهولة كما هو الأمر مع سائر المواقع. وبعد جهد وصلنا إلى الموقع وإذ هو مهمل في أحد أطراف الحديقة، كما يصعب الوصول الى آثار الكنائس الموجودة بعد جسر مقطع وغير آمن. ومن يقرأ عن الآثار المسيحية الغنية وبتوسع في مجلة "حجر الزاوية" العدد الثاني- كانون الأول 2018، ص 30- 37، عن الكنائس ومنها: كنيسة يوحنا المعمدان، كنيسة القديس توماس، دير القديس باسيليوس، دير عنتانانت، دير السيدة ماريا وغيرها، وما جاء في تقريرها "تشير الدراسات الى أن تطور الطابع المسيحي لمدينة بيسان بلغ أوجه في القرنين الخامس والسادس للميلاد".