الأسبوع ٣٤ من السنة/ج - تقدمة سيدتنا مريم العذراء إلى الهيكل
اليوم عيد تقدمة سيدتنا مريم العذراء إلى الهيكل. قدَّمَها أبواها حنة ويواكيم وهي فتاة لتبقى في الهيكل، مكرِّسة نفسها لله الذي اختارها لتكون أم الكلمة المتجسد. هو عيد لجميع المكرَّسين لله، كهنة، رعاة، رهبانًا وراهبات، ومكرَّسين ومكرَّسات يَعِيشون في العالم، في خدمة عادية للعالم
مريم العذراء مثال لنا جميعًا. هي دعاها الله لتكون أمَّ الكلمة المتجسد، ولتشارك في فداء البشرية، ونحن دعانا الله للحياة معه ولرسالة نحملها لكل خلقه.
في الواقع، الخلق نفسه تكريس، أبونا خلقَنا فنحن له. له حبنا وله أشواقنا. وبخلقنا كلَّفنا بأن نخدم الأرض. نحن لله وللأرض في الوقت نفسه، ولكن للأرض التي نري فيها الله، ونرى فيها صلاحه، وحياتنا فيها عمل واجتهاد فيها ونحن ناظرون إلى الله. بنعمته نخدم الأرض، ونخدم إخوتنا، ونأخذ من الأرض ما يلزمنا لحياتنا في هذا الزمن.
التكريس هو العودة إلى الخلق، وإلى العلاقة الأولى بين الله والإنسان، وبين الأرض والإنسان، علاقة خدمة وعلاقة بناء وإصلاح، والنظر الموجَّه دائمًا إلى الله. حياة مكرَّسة لله، لرؤية الحقيقة الأولى في كياننا، وهي علاقتنا اللازمة بالله، وفي الوقت نفسه، رؤية الإخوة في نور الله، وخدمتهم لأنهم أبناء الله، فخدمتهم هي عبادة الله أبينا جميعًا.
مريم العذراء قالت للملاك حين بشرها بما يريد الله منها: لتكن مشيئتك، ليكن لي بحسب قولك.
وأنا في حياتي المكرسة، وفي خدمتي لرعيتي، وللناس أجمعين، كيف أعيش حياتي المكرسة؟
كما أنسى علاقة الخلق التي تربطني بالله، قد أنسى أيضًا علاقة التكريس مع الله خالقي وأبي.
أن أكرِّسَ حياتي، هي، نعم، خطوة مني، فعل إرادة واختيار بحريتي، ولكنه أيضا نداء منه تعالى. هو اختارني. قال يسوع لرسله: أنا اخترتكم، لستم أنتم الذين اخترتموني. أنا مرارًا أنسى، أغرق في نفس نشاطات خدمتي لله وللناس، ويغيب عن ذهني أن الله أحبني فاختارني ودعاني لأعيش معه هذه الحياة، هو حاضر أمامي، وأنا حاضر أمامه. أنسى معنى التكريس، ويصبح فيَّ حالة مَنسِيَّة، أصير أعيش في الأرض فقط من دون الله.
لست أفضل من الناس في شيء. كل إنسان، كلنا كرامتُنا وفضلُنا من الله أبينا الواحد. إنما أعطانا الله وزنة إضافية، أن تكون حالتنا الطبيعية، فيما نعيش على الأرض، ونخدم إخوتنا، أن تكون حالتنا الطبيعية حضورًا أمامه، وحياة معه. وحبًّا له. وآلامنا وصعابنا، كلها نضعها أمامه، ليساعدنا على مواجهتها بقوته وبنعمته.
الحياة مع الله هبة منه. هبة لا أعرف أحيانًا كيف أقبلها، وكيف أعيش بها. هي حياة، في الأرض، وفي خدمة الأرض وإصلاحها، وفي الوقت نفسه، أمام الله.
كرست مريم العذراء نفسها لله. اختارها الله ودعاها، فلبَّت الدعوة. ونحن اختارنا الله، لحياة معه تعالى، ولرسالة نحملها لإخوتنا. نحن أبناء الله وخدام إخوتنا. إلى أية حد هذا الكلام صحيح في حياتي اليومية، في نفس صلواتي، في نفس نشاطاتي؟ هل أعمل لنفسي، لمجد نفسي، لأكون ناجخًا، أم أعمل لله، ولإخوتي أولا، حتى تكون لهم الحياة؟
كل يوم أسأل نفسي لأعرف حقيقة نفسي، ومدى أمانتي لحياتي المكرسة، مدى أمانتي لجوابي لله: نعم، يا رب، ها أنذا، أنا لك، لأحبك أنت وأخدم وأحب كل إخوتي.
ربي يسوع المسيح، أعطني أن أفهم معنى تكريسي لك: أنك أنت اخترتني ودعوتني. وأني لك، وللأرض ولإخوتي، لكن معك، في نورك وفي حبك. آمين.
الاثنين٢١/١١/٢٠٢٢







