مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز يكرّم الفنان اللبناني زياد الرحباني

انطلقت أول أمس الخميس، أولى أمسيات مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز، في دورة جديدة تحمل اسم الموسيقي اللبناني الراحل زياد الرحباني. يثابر المهرجان في عامه السابع عشر على تقديم هذا اللون الموسيقي للجمهور المصري في أكثر من موقع بالعاصمة وعلى مدى عدة أيام. وكعادته، يستضيف فرقاً وعازفين من مصر والعالم، قد لا تكون جميعها مدرجة أو مصنفة تحديداً في خانة موسيقى الجاز.

مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز يكرّم الفنان اللبناني زياد الرحباني

وشاعت تسمية "جاز شرقي" لوصف نمطِ يمزج بين آلات أو أنغام تحمل ثقافة شرقية وأخرى غربية، وغالباً ما يخلط بينها وبين أسلوب "الفيوجن" الذي يقوم على مزج الأنغام والأصوات من ثقافات مختلفة.

ومن الأسماء المعروفة اليوم في عالم الجاز المعاصر: ربيع أبو خليل، وتوفيق فروخ، وأنور إبراهيم، وطارق يمني، وفتحي سلامة، وريما خشيش، وإبراهيم معلوف، إلى جانب العديد من الأسماء الأخرى.

لكن هناك أيضاً أسماء في عالم الجاز الآتي من الشرق انطلقت من أنغام وإيقاعات المدرسة القديمة - الجاز الأصلي - وينسب لها الفضل في بدايات انتشار هذا النمط الموسيقي في المنطقة.

وقد استطاع هؤلاء، حين أرادوا، التحرر تماماً من عباءة الثقافة الشرقية أو من تأثير آلاتها في التوزيع الموسيقي.

ويكرّم المهرجان في دورته الحالية زياد الرحباني، مخصصاً له حفل الختام وندوة بعنوان "صوت التمرد"، إلى جانب تكريم رائدي موسيقى الجاز في مصر صلاح رجب ويحيى خليل.

زياد الرحباني وتجربته الفريدة مع موسيقى وأغاني الجاز

"شعرنا أن أول وأسرع اتصال بين موسيقانا والموسيقى في العالم جاء بواسطة الجاز." بهذه العبارة لخصت إحدى العازفات في ألبوم "هدوء نسبي" رؤية ذلك الجيل للموسيقى، في فيلم وثائقي صور أثناء تسجيل الألبوم عام 1985، حين حرص زياد الرحباني على شرح موسيقى الجاز التي قدمها في أغنياته قبل صدور العمل.

قد يكون زياد الرحباني (1956 - 2025)، الذي يكرمه مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز في هذه الدورة، الاسم الأول الذي يخطر في البال عند الحديث عن موسيقيي الجاز في العالم العربي. فقد عزف الرحباني كل شيء تقريباً في الموسيقى، غير أن تجربته مع الجاز كانت الأكثر ثراءً وتنوعاً.

تجلت فرادة تجربته في قدرته على إنتاج عملٍ متكامل العناصر: لحنٌ وتوزيعٌ وكلمات عربية مغناة، في ما يشبه صيغة أغنية جاز محلية كاملة لا تكتفي بمزج الآلات الشرقية بإيقاعات الجاز المألوفة.

وفي تقديمه للألبوم في الفيلم الوثائقي المصور في الثمانينيات، قال الرحباني: "أخي المواطن، هذه الموسيقى ليست شرقي وغربي ملحمين عبعضن ولا فرنكو أراب، هذه الموسيقى نوع بحد ذاته، فينا نسميه نوع لبناني."

حمل زياد الرحباني أغاني الجاز التي ألفها أبعاداً رومانسية وسياسية ونقدية وساخرة، وأحياناً مجرد حكايات بسيطة من يومياته، مقدماً من خلالها صوتاً موسيقياً فريداً جمع بين حس التجريب وروح المكان.

العامل الآخر في بصمة زياد الرحباني في موسيقى الجاز كان مصاحبة صوت فيروز.

فقد غنت فيروز بأسلوب هادئ في أعمال مثل "عندي ثقة فيك" و"صباح ومسا" و"شو بخاف" (استعادة للحن "مانها دي كارنفال")، بينما أدت بقوة لافتة أغنيات مثل "كلمة كلمة يا حبيبي" (المستوحاة من "لابامبا") و"ما بوشي".

أما الأمثلة على الجاز المتنوع، من اللاتيني إلى الكلاسيكي، الذي قدمه الرحباني في ألحانه الخاصة أو في إعادة صياغته لأعمال معروفة، فكثيرة، من بينها "ضحكة الـ75 ألف"، و"وصله عبيته"، و"شو عدا ما بدا"، و"Un Vers chez nous"، و"مش بس تلفنلي"، و"رمادي عرصاصي"، و"إذا بعد في مجال"، و"أمراض داخلية مزمنة".

كما عكس الرحباني روح الجاز التي كانت سائدة في عصره، من أواخر السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات، كما في "روح خبر" (استعادة لأغنية "On My Mind" لجو سامبل) و"أمراض داخلية مزمنة"، أو في المعزوفات الشهيرة مثل "أبو علي" و"ميس الريم".

وفي سعيه لتقريب موسيقى الجاز من الجمهور الأوسع، قال الرحباني إن القاسم الأساسي المشترك بين موسيقانا وموسيقى الجاز هو "التقسيم أو التفريد"، مضيفاً: "كيف تسمع الجملة الكلامية ذاتها أربعين مرة بنغم مختلف في حوار بين آلتين؟" وربط ذلك بما سماه "السلطنة"، موضحاً أن هذا الإحساس بالطرب موجود في الجاز تماماً كما هو في الموسيقى الشرقية.