الفقراء حول يسوع - لوقا ١١: ٢٩-٣٢

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

"وَاحتَشَدَتْ الجُمـُوعُ، فَأَخَذَ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الجِيلَ جِيلٌ فَاسِدٌ يَطلُبُ آيَةً، وَلَن يُعطَى سِوَى آيَةِ يُونَان" (٢٩). "فَكَمَا كَانَ يُونَان آيَةً لِأَهلِ نِينَوَى، فَكَذَلِكَ يَكُونُ ابنُ الإنسَانِ آيَةً لِهَذَا الجِيلِ" (٣٠).

الفقراء حول يسوع - لوقا ١١: ٢٩-٣٢

 

٢٩. واحتشدت الجموع فأخذ يقول: إن هذا الجيل جيل فاسد يطلب آية، ولن يُعطَى سوى آية يونان. 

٣٠. فكما كان يونان آية لأهل نينوى، فكذلك يكون ابن الإنسان آية لهذا الجيل. 

٣١. ملكة التيمن تقوم يوم الدينونة مع رجال هذا الجيل وتحكم عليهم، لأنها جاءت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وههنا أعظم من سليمان. 

٣٢. رجال نينوى يقومون يوم الدينونة مع هذا الجيل ويحكمون عليه، لأنهم تابوا بإنذار يونان، وههنا أعظم من يونان.

 

          ما زالت الحرب قائمة.

       ومن الجانبين الضحايا كثيرة والآلام كثيرة. لكن على غزة الحرب صارت حرب إبادة. الخطة هي إبادة غزة. فيها منذ الآن مئات القتلى، ومئات الألوف من النازحين لا يعرفون أين يذهبون. اللهم، كلهم أبناؤك، من الجانبين. ارحم واغفر. أنت وحدك تقدر أن تبدِّل القلوب وتعيدهم جميعًا إلى إنسانيتهم، فيوقفوا الحرب. اللهم، ارحم واغفر.  

       في إنجيل اليوم، بعض مستمعي يسوع في زمنه رأوا وسمعوا كلمة الله. وبعضهم لم يريدوا أن يسمعوا. ويسوع يقول فيهم إنهم "جِيلٌ فَاسِدٌ". "وَاحتَشَدَتْ الجُمـُوعُ، فَأَخَذَ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الجِيلَ جِيلٌ فَاسِدٌ يَطلُبُ آيَةً، وَلَن يُعطَى سِوَى آيَةِ يُونَان" (٢٩). آية يونان: أعني كما بقي يونان في بطن الحوت ثم رُدَّ للحياة، هكذا يسوع يدفن في باطن الأرض وفي اليوم الثالث يقوم.

       "الجيل الفاسد" رأوا الآيات، ويطلبون غيرها. عندما يرفض الإنسان في قلبه أن يسمع كلام الله، فهو يجعل نفسه عاجزًا عن رؤية كل آية من الله. أما إن كان القلب طيِّبًا ومستعِدًّا، وبسيطًا، إن اعترف بنفسه خليقة لله، فإنه يصبح قادرًا أن يرى ويسمع، ويفهم الآيات التي يصنعها الله معه.

       الفقراء حول يسوع، فقراء الروح والبسطاء، والتلاميذ، فهموا الآيات التي كان يسوع يصنعها. وبعد موته فهموا الآية الكبرى، أنه مات وقام من بين الأموات، الآية التي رفض عظماء زمنه أن يروها.

       "فَكَمَا كَانَ يُونَان آيَةً لِأَهلِ نِينَوَى، فَكَذَلِكَ يَكُونُ ابنُ الإنسَانِ آيَةً لِهَذَا الجِيلِ" (٣٠). أهل نينوى المدينة الكبيرة الخاطئة سمعوا وعظ يونان وآمنوا فتابوا. نينوى، أعنى مدينة الأغراب، غير المدعُوِّين منذ اللحظة الأولى إلى الإيمان، يؤمنون، أما أبناء البيت فلا يؤمنون. قال يوحنا: "جَاءَ إلَى بَيتِهِ. فَمَا قَبِلَهُ أَهلُ بَيتِهِ" (يوحنا ١: ١١). الأغراب يقبلون كلمة الله. كذلك، ملكة سبأ، الغريبة، سوف تنال الخلاص، لأنها جاءت من بعيد تسمع حكمة سليمان، وأما أبناء البيت فيهلكون.

       من هم أبناء البيت؟ ومن هو الغريب؟ في الواقع، لله لا أحد غريب، كل إنسان هو ابن الله، خلقه وأحبه، من كل الديانات. والله يدعو أبناءه بطرق مختلفة، وفي ظروف مختلفة. المسيحي قَبِلَ هبة الإيمان بيسوع المسيح، قَبِلَ الهبة أن يكون ابن الله، فيقول "أبًا، أيها الآب"، "وأبانا الذي في السماوات". ويمكنه أن يقبل ويقول نعم، لله ويتبع يسوع المسيح، ويمكنه أن يتصرَّف مثل الكثيرين من مستمعي يسوع في زمنه، رأوا وقبلوا الهبة ورفضوا إن يؤمنوا. غيرنا، "غرباء"، بحسب رؤيتنا، لا بحسب رؤية الله، يمكن أن يخلصوا في هذه الحال قبلنا. 

       لنكن دائمًا متنبِّهِين، ساهرين، لنكون أمناء لهبة الإيمان فينا. لنكن متنبِّهِين فنقبل الإيمان مئة بالمئة، وليس إلى حدٍّ ما... نقبل الإيمان ونبقى أبناء الله، أعضاء عائلة الله. فنقدر أن نقبل عطايا الله بنعمة الله. لنكن دائمًا ساهرين، واعين لما نحن، ولما أعطانا الله.

       ربي يسوع المسيح، أعطَيْتَني، أعطِني أيضًا أن أعرف كيف آخذ، وأن أبقى معك. علِّمْني كيف أسير معك دائمًا. آمين.

الاثنين ١٦/١٠/ ٢٠٢٣         الأحد ٢٨ من السنة/أ